العوائق الثقافية ومنهج التغيير الحضاري

Photo

خلال شهر رمضان المعظم اعتاد الجوامع والمساجد خلق كثير من أمة الإسلام. الصلوات الخمس المفروضة والجمعة والتراويح. كنت أدخل هذا المسجد الجامع أو ذاك فأعجب لهذا الخلق الكثير ويتنازعني شعوران متضادان: أحدهما يطلق لساني بقول "ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله" والآخر يدفعني، لمّا أتذكر حال أغلب هؤلاء المصلين بعد مغادرة المسجد، من كسل وتواكل وغيبة ونميمة ووقيعة وتملق ونفاق وشقاق، لقول: "ما هؤلاء إلا غثاء كغثاء السيل".

ثم ألتقي بصديق لي لا ينقطع عن "الهدّ والردّ" على أمثال هؤلاء، داعيا كل من يلقاه منهم إلى الكفر بدينه الذي جعل منه شخصا ساذجا كاذبا كسولا عجولا أحمق، وإلى تطليق "البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وابن تيمية وابن قيم الجوزية وابن عبد الوهاب وسيد قطب ووووو....." والإيمان بالعقل والعلم والأنوار ولب رسالة القرآن العظيم...كل يوم وصديقي لا يكل ولا يمل من إلقاء هذه الدروس على كل من يلقاه وهو في غاية الحماس والانفعال وفي أوج الجدال والسجال، دون أن يظفر إلا بلمم اللمم من التأييد والموافقة، هذا إذا لم يرم بالزندقة والهرطقة والفسق والفجور.

وكنت أرقب كل هذا وأنا أعجب له ولهم وأرثي لحاله وحالهم...وفي مرة من المرات أردت أن أهون على صديقي أمر هذه الأمة/الغمة، فشحذت فكري لأفهم وأفهمه العلة وراء ضياع الكثرة واهتداء القلة. لماذا نحن العرب والمسلمون على هذا القدر من قلة الفعل وسوءه ومن إفلاس الورِق في ميدان الإبداع وسوقه؟ لماذا يجانب أغلب أفراد هذه الأمة الحس السليمle bon sens) ) بما يجعل وعيهم بالعالم ساذجا وفيه غير فاعل؟ وتراءى لي بعد يسير تفكير بأن بنية العقل العربي والإسلامي )أنطروبولوجيا، أي في هذا السياق الثقافي وليس مطلقا) عقل تحكمه بنية أسطورية سحرية عوض أن تحكمه بنية سببية عقلانية موضوعية.

وهنا لا بد من التمييز بين الإيمان بالغيب من جهة واكتساب بنية ذهنية أسطورية سحرية من جهة أخرى، فشتان بين هذا وذاك. فما هو محل النقد هنا هو الانحراف الحاصل في مستوى عقيدة التوحيد السليمة من كل لوثة وثنية وما قبل علمية أنتروبومورفية. ولذلك فنحن لدينا تضخم في الصور الذهنية والخيالات العقيمة والأوهام والأحلام البعيدة كل البعد عن قوانين هذا العالم وسنن التاريخ.

فإذا أضفنا إلى هذا الخلل الذهني الخلل النفسي الأخلاقي من جشع وطمع وأنانية وسوء نية، حصلت الطامة الكبرى التي نحن فيها الآن. لذا فقد رحت لصاحبي وقلت له: هون عليك " وأرح نفسك من هذا العناء فما أنت بالغ منه إلا ما يبلغ المخيط لم يغمس في ماء المحيط، واترك الأمر لثورة في التربية والتعليم والبحث العلمي، وثورة في الأدب والفلسفة والفن...أرأيت إن رغبت في تحريك كتلة تزن عشرات الأطنان فهل تقدر عليها بمجرد استخدام يديك وعضلاتك، قال لا، قلت فكذا هذا الجبل من الجهل والوهم، لا يتحرك إلا بمنهج علمي، كالذي أنتج الآلات الذكية التي تضغط على أزرارها بكل يسر فتعينك على تحريك الكتل الضخمة وتوجيه القوى العملاقة إلى حيث تشاء، وكذا أمر النهضة الحضارية لا تكون إلا بمناهج علمية وطرق عقلانية.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات