الخمسة إلى لحقوا بالجرّة......
هذا مطلع أغنية شهيرة للفنان الشّعبي اسماعيل الحطّاب خلّد فيها ملحمة شهيد الوطن المرحوم محمّد الدّغباجي(1885-1924). و استعرض الشّاعر فيها بتوسّع معركة مطماطة الخالدة حيث أبلى الشّهيد صحبة رفقائه الشّجعان بلاء شديدا. وكانوا لا يفكّرون لا في المناصب و لا في المكاسب و لا في الحسابات السياسوية؛ بل كان همّهم استقلال البلاد.
هذا التوثيق الشّعري ساهم في رواج المعركة الحربية في سائر البلاد، و استمع إليها الصغير و الكبير و القريب و البعيد، و احتفظت الذّاكرة الجماعية بما حرص على طمسه اللاحقون.
السّبعة إلي لحقوا بالجرّة.......
هذا خبر تناقلته وسائل الإعلام حول اتّفاق سبعة وزراء على فشل العمل الحكومي. هو تصرّف ديمقراطي يخوّل للوزراء أن يعبّروا عن مواقفهم دون لومة لائم أو خشية من سلطان جائر.
ولكن لماذا التّلميح دون التّصريح؟
إذا كان من حقّ أولائك الوزراء أن ينتقدوا أو يشتكوا ضعفا في العمل الحكومي، فلماذا لم ينزعوا برقع التقيّة الخاسئة و الإشارة الفالسة؟ و لماذا كانت تلك الرّسلة صهماء شولاء لا صراحة فيها. كان يمكن أن يعلنوا بصريح اللفظ و جميل التّخلّص عن رغبتهم في الاستقالة. وهذا يمكّن صاحب الأحكام السّلطانية من تبديلهم بالسّرعة القصوى كي لا يترك فراغا في مناصبهم. فهم كما يبدو من شعاع الحروف أنّهم فقدوا المبادرة و روح المسؤولية.
هل تساءل هؤلاء الوزراء - بعد أن يقرأ رؤساء الدّواوين و المديرون العامّون و الموظّفون و العملة في الوزارات الّتي يشرفون على تسييرها، تلك الرّسالة - ماذا سيفهمون و سيفعلون؟ هل سيعلنون صراحة عن سوء العمل مع أولائك الوزراء و يطالبونهم بتلك الكلمة الأجنبية السّحريةDEGAGE؟
يبدو أنّ ستين سنة من تسيير الحكم الفردي جعلت العمل الحكومي و الإداري و البرلماني حبيس التعليمات التي يضبطها كهنة السلطة. تلك السّهام الّتي توجّه للمسؤول، فإمّا يسايرها بحرفية و يعمل بها بدقّة الجافل أو تخترقه و تخلعه من مكانه. تلك الأحقاب السّتة من الانفراد بالحكم لم تركّز ضوابط آداب التعامل في المراتب السّنية. و أصبح شقّ عصا الطّاعة الرّسمية ملفوفا بالميول السياسوية و السّلامة المنصبية.
لا يعرف المسؤول الحكومي أنّ تسميته بالوزير لها علاقة بالوزر، و الوزر هو الحمل الثقيل الّذي يجعله حافظا للأسرار أمينا على الأعمال شريفا في أداء المهام. فإذا ما وجد نفسه عاجزا عن تحمّل مشاق المهمّة السّامية ينسحب بشرف الجدير و إخلاص الأمير. أمّا أن يكون تكليفه الحكومي نزوة الأنانية و نرجسة الطّفولية فالخسارة ستعود بالمضّرة على المجموعة الوطنية.
مابين "خمسة لحقوا بالجرّة" الّذين دفعوا حياتهم ثمنا لاستقلال البلاد من براثن مستعمر متوحّش و سبعة وزراء قدّموا رسالة عجز العمل الحكومي تضيع بوصلة الحكم الرّشيد.