كثيرا ما نسرد بعض الأخبار التي تتناقلها المواقع الإلكترونية دون تمحيص أو تأمل ،وغالبا ما تكون تافهة لأنها لا تنخرط بفعالية في تشريح موطن الداء من أجل استئصاله ،وتأتي بعد ذلك بعض التعاليق تدعو إلى ثورة فكرية يختزلها في شتم بعض الوجوه السياسية معتقدا أنها منبع الشر والطغيان، ومن ثم وجب فضحها وملاحقتها.
بهذه الطريقة الارتكاسية لن نغير شيئا أبدا ،سيستمر الظلم وسنموت غيظا ونحن نسير إلى الأسوأ ،لأن الاكتفاء بالنباح في وجه الظالم من موقع الضعف يغذي منابع الظلم ويكسبه مناعة أقوى .ربما نحتاج الى بعض السخرية في طرح بعض الإشكاليات مع التكرار بأساليب مختلفة علّها تحقق المرجو …
اسلوب محمد ماغوط في التقطيع والتجريح وتكسير ركاكة الخطاب المباشر للخوض في قضايا مهمة يبقى مدرسة لابد من أن تدرس بعمق علها تكن مدخلا في بناء فكري جديد لنقد بعض الظواهر التي غدت متفشية في مجتمعاتنا، لابد لنا من تغيير في اسلوب التواصل ولنبدأ بتأمل ذواتنا المتشرذمة ونحاسبها كي تطابق ما نصبو اليه ..
نتحدث عن التعاسة و الإنحلال والأزمات القيمية في فضاء بعيد عن المعنيين بالخطاب ، وحتى إن تجرأتَ وسألتَ أحد المعنيين عن سبب هذه التعاسة او الإنتكاسة في مسار حياته اليومية غالبا جوابه بسيطا لا يتعدى معدته وأسفل سرته، هذا وان تنازل ومدّك بجواب، إذ أن اغلب العابرين في زحمة الحياة العاصفة بالأحلام صامتون لأن رؤوسهم ثقيلة تملأها الضجة التي تخلفها عملية شحن تلك اللكلكات المتكررة والمملة، ..صامتون لأنهم يشعرون بألم على مستوى بطونهم الفارغة ، وجيوبهم المثقوبة و الصرخات الثكلى لمن تكركوهم وراءهم من عوائلهم..
صامتون لأن احلامهم مهدورة وما بقي منها اعدّوا لها المشانق ... صمتون لكنهم يعون حجم مآسيهم ، صامتون لأنهم ملوا الصراخ الذي فقد الصوت والصدى...فكل كلمة ينطقونها تسبب لهم ألما خفيا لا يكلفون أنفسهم عناء شرحه لبعضهم البعض. ..صامتون لأن النهار أنهكهم بمتطلباته الكثيرة وهم عاجزون .. لأنهم يخشون فقدان الدوخة اللذيذة من وهم، او خمر ، او حتى نوع مخدر...صامتون لأن مشاريعهم الوهمية التي يشيدونها بوعي الحلم الواهم تنتهي بانتهاء الليل عند رنة المنبه ،للركض مجددا في متاهات الحياة العاصفة ..
كما أنهم يخشون عدوهم النهار فاضح تلك الأوهام التي لا تعشش في رؤوسهم سوى في الظلام تكبر وتنمو وتزهر وتموت او تغتال عند اول خيط ضوء...ربما يكررون بأسلوبهم ما قاله "ماغوط " يوما أيها النساجون , أريد كفنا واسعا
لأحلامي.