لنكن واضحين ولنتكلم بلا مجاز: في حالة الخطر الوجودي فان الموقف يكون مبدئيا وبلا قيود أو يكون ضربا من السفسطة والانفصام النفسي والمعرفي. ولذلك فإن المساندين للانقلاب هم أقل خطرا على الديمقراطية من أولئك الذين تأبى قلوبهم أن يعترفوا بحكم الصناديق حين تحمل الإسلاميين إلى السلطة ويتمنون سقوطهم حتى في العوالم الموازية.
ولكن هؤلاء المسكونين بالاسلاموفوبيا لا يجدون الجرأة للبوح بمواقفهم الاستئصالية فيأتون في كل الأزمات التي تهدد الديمقراطية بكلام سقيم ينقض أوله آخره. وهو كلام يقوم على التسوية اللاخلاقية والسفسطائية بين الاضداد ،التسوية بين الشرعية -رغم كل عيوبها ونقائصها- وبين الانقلابات العسكرية التي تقتل الحياة السياسية وكفر بالإرادة الشعبية .
إنهم لا يجدون أي خرج ولا تناقض في أن يكونوا الآن-وهنا ضد أردوغان وضد الجيش وضد الانقلاب في الوقت نفسه . إذن هم مع من بالضبط؟ إنه سؤال لا يجيبون عنه ويطرح بدلا عنه إجابات سفسطائية لسؤال غير مطروح أصلا: ما هو موقفك من الإسلام السياسي ومن اردوغان؟
إنهم كمن يقول لشخص يغرق:نحن لا نريد أن تغرق ولكن كان عليك تعلم السباحة ومتابعة النشرات الجوية. إن مواقفهم تعني عمليا إنهم مع ما ستفرزه الأحداث لكنهم لا يمتلكون الشجاعة الأدبية لقول ذلك. إن القضية هنا ليست موقفنا من أردوغان ولا من الجيش بل موقفنا من الانقلاب على الإرادة الشعبية مهما كان نظام الحكم: هل أنت مع الانقلابات العسكرية أم ضدها.
أما من يتحدث عن موقفه السلبي من أردوغان وهو يرى انقلابا عسكريا على ارادة كل الاتراك أمام عينيه ، اما من يقول انه ضد الانقلاب ولكن يتمنى محاكمة أردوغان وسقوط نظامه....أما من تتغير نبرة خطابه تبعا لتغير موازين القوى فهو مساند للانقلاب من طرف خفي...وهو أبعد الناس عن الديمقراطية...إنه ببساطة كائن انقلابي ولو ادعى الديمقراطية والتقدمية والحداثة في كل نفس.