نداء فكريّ- سياسيّ أنسنيّ إلى المثقّفين و المناضلين -المثقّفين في تونس والوطن العربي

( مسوّدة برقيّة لتجاوز 'السّبع العجاف' المتشابهة في تفكيرنا السّياسي المشترك!)

Photo

توجد مع الأسف الشّديد بين الحركة الإسلامية والحركة القومية والحركة الوطنية و/أو الليبرالية‘ والحركة الشيوعية في الوطن العربي تشابهات في نسق التفكير رغم الاختلاف الكبير في المضامين و في الأدوار السياسية التاريخية الكبرى التي تلعبها هذه الحركة أو تلك بالتّأكيد. وأهم نقاط الشبه حسب رأيي هي ' السبع العجاف' التالية :

1- كلّ منها ينطلق من تصوّر ما عن 'الطبيعة البشرية':

أ - الإنسان متدينّ بالأساس.
ب - الإنسان قومي بالأساس
ج - الإنسان فردي و/او وطني يالأساس
د - الإنسان طبقي بالأساس.

2- كلّ منها له عصره الذّهبي المتخيّل الماضي أو المستقبلي الخاصّ

أ- عصر الإسلام الأوّل
ب- عصر الوحدة القومية
ج- عصر الدولة الوطنية (المصرية ، التونسية، الخ) و/أو 'الحرّية الليبرالية'
د-عصر المشاعية البدائية/الشيوعية المستقبلية

3- كل منها يحلل التاريخ بعنصر واحد حاسم و أساسي:

أ- العامل الديني هو العامل المحدّد
ب- العامل القومي هو العامل المحدّد
ج- العامل الفردي و/أو الوطني هو العامل المحدّد
د- العامل الاقتصادي/ الطبقي هو العامل المحدّد

4- كلّ منها كان إلى وقت قريب يفكّر في انجاز ثورته (أو انقلابه) التي تقضي على البقية لتؤسس نظام الحزب الواحد الفعلي وبعضنا يواصل و البعض الآخر لا يفعل ضعفا و/أو تكتيكا إلى اليوم.

أ- الثورة الإسلامية
ب- الثورة القومية
ج- الثورة الوطنية أو ' الديمقراطية'
د- الثورة البروليتارية

5- كلّ منها كانت له فكرة ما عن 'المخلّص':

أ- 'الفرقة الناجية' الاسلامية وحزبها الاسلامي
ب- العروبيون و/ أو 'الضبّاط الأحرار'
ج- الحزب الوطني /الجيش الوطني/الزّعيم الوطني
د- البروليتاريا و الحزب الشيوعي

6- كل منها يؤمن بفكرة ’نهاية التاريخ‘ بشكل من الأشكال :

أ- سينتهي التاريخ يوم ينتصر الإسلام ويصبح دين الدولة
ب- سينتهي التاريخ يوم تتأسس الدولة القومية العربية الموحدة
ج- سينتهي التاريخ يوم يعمّ قانون السوق و الدولة الوطنية أو 'الديمقراطية' الليبرالية
د- سينتهي التاريخ يوم تنتصر الشيوعية.

7- وكلّ منها يعتبر انّ فلسفته السياسية هي الوحيدة الصحيحة و كلّ ما خالفها هو -في نهاية التحليل- امّا كفر ديني و/أو امّا خيانة سياسية.

أ- نظرية ’الخلافة الإسلامية‘
ب- نظرية ’الثورة العربية‘
ج- النظرية السياسية الوطنية و/أو‘ الليبرالية‘
د- النظرية الاشتراكية -الشيوعية ’العلميّة‘

نحن لم نخرج إلى اليوم من تيّولوجيا و/أو فلسفة التاريخ السياسية الخلاصيّة و الفردوسيّة العقائديّة التي تجعلنا نتقاتل و ننقلب و/أو نثور على بعضنا لنعود إلى المربّع الصّفر القديم أكثر مما نخدم بلداننا والإنسان في أوطاننا .هذا الإنسان المتعدّد الأبعاد والذي تتجاوز أبعاده حتى مجموع المحدّدات الأربع الواردة أعلاه والذي لا ينقسم إلى شياطين و ملائكة سياسة بالتأكيد بل هو كائن دنياوي من نوع خاصّ.

لقد وصلنا الآن إلى الهاوية تقريبا - بل لم يستكمل بعضنا بعد طاقاته التخريبية - والشعوب الأخرى تتجاوزنا بسنوات ضوئية و تستغل بعض قواها استعدادنا للتقاتل وللتخريب لتنفخ فيه شرقا وغربا بشكل مباشر أو من خلال وكلاء من العرب والمسلمين أنفسهم.

لا بد ّ من التوقّف و التقييم و التغيير جذريّا في اتجاه أنسني وطني/قومي و اجتماعي ديمقراطي اليوم و إلاّ فانّنا لن نورّث أبناءنا وأحفادنا سوى الخراب على الأرجح.

انه وإن كان من الضروري البدء في التفكير بطريقة جديدة في الفكر والسياسة باتجاه أنسني سياسي جديد يمكن أن يتشارك في خلقه مثقفون ومناضلون مثقفون من توجهات مختلفة يقطعون مع انتماءاتهم السابقة و يتقاطعون في مشتركات أنسنية وطنية/قومية وشعبيّة هي الآن أقرب إلى بعض أطروحات الوسط - اليسار التونسي و العربي، فانه من المهم الآن على الأقلّ البدء بقبول التعايش المشترك بعيدا عن أمرين: -أ- ا لولاء للخارج و- ب- استعمال العنف في الدّاخل ، وليكن ذلك في اطار ديمقراطي سياسي يقبل بالتعايش السلمي و التداول السلمي على الحكم و مفتوح على الاصلاح الجذري الوطني و الاجتماعي في صالح الشعب.

إنّ أفضل التجارب السياسية الآن في العالم ، رغم كونها لها خصوصية تاريخية ، هي التجارب الاشتراكية الديمقراطية الإسكندنافية التي منها على سبيل المثال ما يقبل برباعي تأليفي مهمّ جدّا من النّاحية الفكرية والسياسية :

أ- القبول بدين رسمي للدولة دون أن يمنع ذلك من تكوين دولة مدنية ديمقراطيّة تقبل وتوفر حقوق وحرّيات الإنسان الكونيّة.

ب- ولكنه يحافظ على الوطن/الأمة دون إقصاء الأقلّيات الدّاخلية ومع الانفتاح على الإنسانيّة .

ج- ويوفّر الحريّة والدّيمقراطيّة السياسية دون شكليّة تمثيليّة ولكن دون مثاليّة سياسيّة.

د- ويستفيد من ايجابيات الليبيرالية والاشتراكية معا في تصوّر اشتراكي ديمقراطي يحقق منوال تنمية بشرية راق .

إن تجربة هذه البلدان لا يجب أن تصبح 'مثالا نموذجيا' يعلن نهاية تاريخ جديدة أخرى. إنها تجربة متقدّمة يمكن الاستئناس بها محلّيا. وهي ليست جنّة على وجه الأرض طبعا ومتى كانت مهمة الدين و /أو السياسة تحقيق الجنّة على الأرض أصلا؟

إن السياسة التي تزعم القدرة على تحقيق الجنة الأرضية تتحول إلى «عقيدة سياسية وضعيّة" وإن العقيدة الدينية التي تزعم تحقيق الجنة الأرضية تصبح "عقيدة سياسية كافرة ".

إن المطلوب منّا هنا والآن أمران لا غنى عنهما :

- الدّعوة إلى الإرساء المشترك لأسس التعايش الوطني السلمي لتنظيم الاختلاف والصراع الديمقراطي.

- العمل على الخلق التشاركي لحركة فكرية-سياسيّة أنسنيّة سياسيّة جديدة لا تقدّم نفسها كعقيدة سياسية خلاصيّة جديدة تدعو إلى التضحية بقرابين جديدة على معبد التاريخ لتنهيه بطريقة أخرى بل كفلسفة أنسنية سياسية نسبية ومفتوحة وديمقراطية تقدّم مشروعا جديدا لوطننا وشعبنا يليق معرفيّا وانسنيّا بما وصلت اليه الإنسانيّة في القرن الواحد والعشرين.

- يا أبناء وطني تعايشوا !

- يا أنسنيّي و طني اتّحدوا !

مصطفي العلوي

جويلية 2016

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات