اتهام غولن يعني اتهام أمريكا..

Photo

أردوغان تجنب الاتهام المباشر للولايات المتحدة بالضلوع في المحاولة الانقلابية. نعرف أنها كانت وراء الانقلابات التي حدثت في البلاد بداية من 1960، وأن تركيا تحتل مكانة هامة في المنظومة الدفاعية لحلف الأطلسي، ولا يمكن بالتالي أن يحدث فيها مثل الذي وقع دون أن يتلقى القائمون عليه الضوء الأخضر من واشنطن.

لابد أن نذكر أولا أن تركيا خرجت أو كادت عن الطوق، وتجاوزت كل الخطوط الحمراء المرسومة لها. منها أنها تحولت في مدى منظور إلى قوة إقليمية ذات اقتصاد قوي ونظام ديمقراطي بمعنى أنها أصبحت نموذجا، والجديد هنا أنها مجاورة لأوربا، بينما النماذج السابقة بنيت بعيدا عنها خاصة في أقاصي آسيا.

القوة التركية برزت وكأنها تشكل تحديا للاتحاد الأوربي الذي للمفارقة لم يقبل عضويتها، فإذا بها تتفوق على أغلب أعضائه، بما مكنها من خلق مجال تأثير امتدت دوائره بعيدا، ليس فقط في البلاد العربية أو آسيا الوسطى الناطقة بالتركية، وإنما أيضا في إفريقيا، الحديقة الخلفية للقوى الاستعمارية القديمة، وعلى رأسها فرنسا. وهو ما يساعدنا على فهم الموقف الفرنسي.

على واجهة أخرى، نذكر بأن تركيا المتنوعة إثنيا وقوميا، تتصدر بلدان المنطقة من حيث عدد الأكراد، بأكثر من 20% من مجموع السكان. وبالتالي فإن أي تحول في وضعيتهم في البلدان المجاورة ينعكس سلبا على أوضاعها الداخلية. وفي هذا الإطار فإن نشأة إقليم كردستان العراق شكل تهديدا لأمنها القومي.

وأخطر من ذلك ما تلقاه من مساعدة من الكيان الصهيوني ومن الولايات المتحدة. ومن هذه الزاوية يُنظر أيضا إلى ما يقوم به الأكراد حاليا في شمال سوريا، وهؤلاء يجدون المساندة والدعم من أطراف عديدة من أمريكا والكيان الصهيوني لأسباب معروفة ولكن أيضا من روسيا كجزء من السلاح ضد تركيا. وبالتالي فالموقف التركي هو أن ما يدور في سوريا يدخل ضمن ملف الأمن القومي. بلد يحس أن هناك مراهنات تلتقي على إضعافه.

في هذا الإطار يندرج الاتفاق الأخير مع تل أبيب، والاعتذار لدى الروس عن إسقاط الطائرة. والهدف إبعادهما عن تحريك الملف الكردي. ثلاثة ناقص اثنين. تبقى الولايات المتحدة. ما هو مؤكد أن الدور الاستراتيجي الذي قامت به تركيا خلال الحرب الباردة، قد تغير منذ سنوات عديدة، وهنا نذكر بأن حزب أردوغان نفسه قد امتنع عن السماح باستعمال قاعدة أنجرليك الأطلسية في الحرب على العراق عام 2003. بمعنى أن الموقف التركي والأمريكي لم يكونا على نفس النغمة. والأمريكان لا يتسامحون مع من يفعل ذلك.

وبالعودة إلى المطالبة التركية بتسليم فتح الله غولن. صحيح أن جماعته، لم يسبق لهم استعمال العنف، إلا أن الأمريكان، من أجل تحقيق أهدافهم، لا يدخرون جهدا ولا يأنفون عن استعمال كل ما لديهم من أوراق، ولا يخرج غولن عن ذلك وهو مقيم عندهم. وهم يدركون الآن أن المطالبة بتسليمه، ومقايضة ذلك بالتعاون في الحرب على الإرهاب، تتضمن اتهاما لأمريكا بالضلوع في المحاولة الانقلابية. المسألة لن تقف هنا.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات