حول واقع الناشئة في اقطار الثورات العربية اليوم و تحديدا المناطق الاكثر تضرّرا من الحرب مثل
سوريا و العراق و اليمن , يطرح الكثير من الأسئلة المصيرية و ذلك بالنظر الى واقعها المأساوي الذي يشهد تلاعبا بالطفولة و استهدافها بشكل ممنهج سواء للانتقام من ذويهم او لدوافع طائفية و مناطقية او للضغط على خصومهم, هذا بالنسبة للاطفال الذين قدّر لهم ان يشهدوا الحرب و يكونوا في قلب العاصفة مجبرين, أمّا بالنسبة للاطفال الذين فرضت عليهم الهجرة و الهروب فلا يقلّ وضعهم مأساوية عن اللذين ظلّوا ببلدانهم خاصة اذا علمنا ان اعلى نسبة من الاطفال اللاجئين من دول الثورات العربية و خاصة من سوريا و العراق و اليمن و فلسطين , اي الدول التي تعاني شعوبها ويلات الحرب فضلا عن تزايد عدد اطفال الشوارع في الاقطار الاخرى كمصر و ليبيا والسودان و غزة و تونس بسبب الحرب والكثير من الآفات الاجتماعية كالفقر و العلاقات غير المشروعة و الارهاب, و التفكك الاسري وغيره. أما افريقيا الوسطى فقد كانت الحاضرة بقوة دائما في هذا الهمّ الإنساني و الاجتماعي بسبب النزوح الاضطراري هروبا من عنصرية البيض و ما تشنه فرنسا الصليبية عليهم من تقتيل و تنكيل. بينما ينعم اطفال الكثير من الشعوب الاخرى بالسلام و رغد العيش و حياة الرخاء و الرفاهية .
المشكل اذا يتمحور حول فئة معينة من الاطفال هم اطفال المنطقة العربية التي عاشت الاحتلال مثل العراق و فلسطين و عاشت الثورات العربية مثل سوريا و اليمن و ليبيا و عاشت العنصرية مثل افريقيا الوسطى , الطفولة في هذه البلدان تعيش ازمة حقيقية وهي التي سوف تحدث مشكلا خطيرا في المستقبل بما ان الحاضر هو الذي يحدد الآتي وهو الذي يصنع القادم من الايام فإن كان الحاضر جيدا و صلبا و سليما سيكون المستقبل مشرقا و زاهرا و ان كان الحاضر بائسا فأن المستقبل سيكون قاتما عملا بمقولة " ازرع الأن , تحصد في الغد " .
فماذا ستحصد هذه الاقطار في المستقبل و اطفالها يعيشون ابشع نتائج الحرب ؟
أي واقع يفرض نفسه على هؤلاء الاطفال ؟ ماهي طبيعة حياتهم تحت وطأة الحرب أو داخل مخيمات اللاجئين ؟ كيف تسير حياتهم بين انظمة استبدادية مستعدة للتضحية حتى بالاطفال من اجل السلطة و بين معارضة اصبحت وكرا للمندسين و الطامعين و الجهاديين ؟ ماهو نصيبهم من حياة اليتم والقهر و التشرد ؟ كيف تبدو حياة النازحين اللاجئين بحثا عن الحياة في اصقاع غير اصقاعهم و في ارض لم تلدهم ؟
منذ ان انطلقت شرارة الثورات العربية و المنطقة تعاني ارتباكا على الصعيد السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و يعتبر هذا الاخير النتيجة المباشرة للاختلافات السياسية بين المعارضة و الانظمة الحاكمة و التي تسببت في تحويل الثورات الى حرب اهلية " سوريا , اليمن , ليبيا " و المؤكد ان دوام الحرب سوف ينعكس سلبا على الاقتصاد الذي يشهد تراجعا متسارعا في هذه المناطق و بالتالي تفشّي الفقر و البطالة و كثرة النازحين الحالمين بحياة افضل من اجل اطفالهم بينما الباقين في هذه المناطق فقد طالتهم معاناة الحرب بشكل كبير و ملحوظ فقد كتب عليهم ان يدفعوا ثمن اطماع الكبار و الساسة و طمع القوى الاستعمارية الكبرى و الطائفية في اراضيهم ففي سوريا الأسد تعرّض ما يقارب 7.3 مليون طفل داخل بلدهم للأنتهاكات و الاستغلال الجسدي و التعذيب والتشرد و الجوع وفقا للقانون الدولي الانساني و قانون محكمة الجنايات الدولية و اتفاقية حقوق الطفل و منذ بدء الحراك الثوري في تلك الربوع قام النظام باعتقال اعداد كبيرة من التلاميذ و قد تمّ تعذيبهم في المعتقلات بشكل وحشي و تواصلت الاعتقالات في صفوف طلاب المدارس حتى بلغ عددهم ما يقارب عشرة الاف طفل و قتل زهاء 12517 طفل اخرين نتيجة عمليات القصف العشوائي للمدن و القرى بدعوى محاربة الارهاب و منهم من قضى قنصا او جوعا في مضايا و الغوطتين الشرقية و الغربية بفعل الحصار الذي فرضته عليهم قوات التحالف أو الموت بالكيمياوي او بمجازر البراميل المتفجرة, فقد قتل الاطفال وهم على مقاعد الدراسة و هم نيام في أسرّتهم , تعرّضوا لليتم و الخطف و التجنيد المبكر و الاجباري و للاغتصاب إناثا و ذكورا و للبيع كعبيد في سوق النخاسة حيث لم يسبق في تاريخ البشرية على الاقل حديثا ان حدث لأطفال العالم مثل هذه الجرائم الفضيعة , امّا باقي الاطفال فقد كثر في صفوفهم الامراض الجسدية و النفسية و الاعاقات البدنية و بالذات اطفال المعارضة خاصة انهم حرموا من حقهم في الاستشفاء نتيجة تدمير المستشفيات و بعض المراكز الصحية بفعل الحرب كما حرم حوالي مليوني طفل من حقهم في الدراسة و اللعب و اللهو وعيش حياة طبيعية مثل باقي اطفال العالم خوفا من الموت او الاعتقال اوالاختطاف فقد حصل ان أختطف مئات الاطفال من وسط مدارسهم و اثناء الذهاب اليها و تم بيع هؤلاء الاطفال او استغلالهم جسديا أو بيعهم و المتاجرة بأعضائهم و فيهم من وقع تجنيده من قبل قواة النظام او من قبل المجموعات المسلحة .
اطفال غزّة و العراق و اليمن و حتى ليبيا و السودان و افريقيا الوسطى لم يكونوا اوفر حظّا من اطفال سوريا فالحرب تدمّر اينما حطت رحالها, فمنذ الحرب على غزة تم فقدان 54000 طفل لمنازلهم و اصبحوا بالتالي بلا مأوى و تحولوا بالتالي الى لاجئين او متسولين او اطفال شوارع وما تعنيه هذه العبارة من تشرد و جوع و استغلال و ضياع و اصابة 3370 اخرين فأرتفع بالتالي عدد المعاقين ذهنيا و جسديا في صفوف الاطفال بشكل عام .
أمّا العراق فقد كان نصيب اطفالها في المعاناة اكبر فمنذ الاحتلال الامريكي الى يومنا هذا و الاطفال عرضة للاستغلال و الاعتقالات و التشرد و الأمية و الجهل بشكل كبير كما تم استغلالهم و بيع اعضائهم من قبل مافيات المتاجرة بالأعضاء العربية و الاسرائلية و الغربية . خطورة الاوضاع التي يعيشها اطفال العراق اصبحت لا تخفى على العالم فهم يعانون الحرمان و الخصاصة و اليتم , فقد عايشوا الحرب بشتى انواعها اي الحرب الطائفية و الحرب مع الاحتلال الامريكي في ما مضى و الحرب بين داعش و الحشد الشعبي اليوم من بين ضحاياها الاطفال , و قد قدرت اليونيسيف نسبة الاطفال الذين لا يرتادون المدارس بنسبة 50 بالمائة وان اكثر من 40 بالمائة يستهلكون مياه غير صالحة للشرب و هذا يعني اصابتهم بالمرض حتما و من ابشع ما يحصل لأطفال العراق مع تنامي المتاجرة بالأعضاء في ايامنا هذه "حيث اصبحت تحتل المرتبة الثالثة عالميا بعد تجارة المخدرات و تجارة الاسلحة "هو ما كشفت عنه الصحافة السويدية ووكالة الاخبار العالمية " اكسبريس " و عرضه التلفزيون السويدي في سبق اعلامي فريد من نوعه و ترجم الى اكثر من 12 لغة عالمية وهو ان الميليشيات الشيعية " بعد خروج امريكا من العراق و تنامي الصراع الطائفي بين السنّة و الشيعة " تبيع اطفال العراق داخل سوق لبيع الاطفال وسط بغداد رضّعا و كبارا بمبالغ لا تتجاوز ال500 دولار لإستخدامهم كعبيد في دول اخرى او الاستفادة من اعضائهم بعد قتلهم أو استغلالهم في عالم الجنس,هذا الجرم البشع في حق اطفال العراق الابرياء يذكرني بالآية 20 في سورة يوسف " وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ " .
مع الأسف هذا ما يحصل لأطفال المنطقة العربية في هذا العصر امام صمت العالم و المنظمات الخاصة برعاية الطفولة و لكن يبدو انها مجرد منظمات لإستعراض الشعارات فقط او ان اختصاصها الدفاع عن اطفال من نوع اخر, اطفال العالم الإمبريالي و الا لماذا لا نسمع صوتا لهذه المنظمات المنادية بحقوق الطفل عندما يتعلق الأمر بأطفال الدول النامية ؟ لماذا لم نسمع تدخلا من قبل هذه المنظمات لمنع الجرائم البشعة التي تحدث في حق اطفالنا ؟ اين اليونيسيف عندما يقع تزويج بنات اليمن في سن ال13 و ال14 عشر سنة خوفا عليهم من الاختطاف و الاغتصاب من قبل مليشيات النظام في البداية ثم المليشيات الحوثية؟
نعم اصبح الكثير من الآباء في اليمن يزوجوا بناتهم بسبب الخوف عليهن و بسبب الفقر و الفاقة التي سببتها الحرب الاهلية ثم الحرب مع الحوثيين و لكي يستفيد هؤلاء الآباء من مهورهن لسدّ حاجاتهم اضطرّوا لتزويجهن وهن مازلت في غضاضة الطفولة , أمّا الذكور فقد حرموا من مقاعد الدراسة مبكرا و اصبحوا مهددين بالأميّة و الجهل و منهم من وقع استغلاله من قبل الميليشيات المسلحة و تجنيده وهو مازال طفلا لم يتعدى ال14 و 15 حيث يتمّ اغراءه بالمال و طبعا أنّى لطفل أن يرفض هكذا عرض وهو يعيش الجوع و الخصاصة والتشرد أو القيام بدمغجته وهو الطفل الغضّ الذي يكون عقله الصغير قابلا للتشكّل والصناعة من جديد و بالشكل المطلوب دون صعوبة,نعم ان الاطفال هم الذين يدفعون الثمن باهظا دائما والا ما ذنب اطفال افريقيا الوسطى من الحرب العنصرية التي يشنّها الغرب المسيحي على المسلمين في تلك الربوع ؟
ان حرب التطهير العرقي التي تقودها القوات الفرنسية ضد مسلمي افريقيا الوسطى تستهدف الشباب و النساء و الاطفال فقد كشفت بعض المصادر ان الجنود الفرنسيين يمارسون اغتصاب الاطفال الذين تتراوح اعمارهم بين ال9 وال13 مع القيام بترويعهم بشتى الطرق فقط لأنهم سود اولا و مسلمين ثانيا و افارقة ثالثا بينما عندما يقتل طفل فرنسي أو الماني او امريكي على يد الارهاب او في أي مكان من العالم تقوم الدنيا ,من منظمات حقوقية و مجتمع مدني و متعاطفين و تبدأ السياسات الدولية بالبحث في اصل المشكلة من اجل عيون الطفل الابيض الزرقاء متهمين بذلك العرب و يشعل منافقي الديمقراطية و عملاء الغرب الاستعماري من العرب الشموع من اجل عيون اطفالهم متباكين على بشاعة الارهاب و خوفا على سلامة شباب اوروبا المستقبلي بينما الطفل الافريقي لا بواكي له و لن يجد من يبكيه وهو الذي يعاني داخل جفاف القرن الافريقي من الجوع حتى الموت و العالم من حوله يعيش التخمة و بقايا اغذيته تملأ المزابل .
ان ظروف الحرب القاسية لم تنعكس فقط على هذه الفئة من الاطفال التي أجبرت على البقاء داخل بلدانها بل دفعت بالكثير منهم الى النزوح و الهجرة مع عائلاتهم هروبا من الحرب , خوفا من الموت الذي يلاحقهم داخل منازلهم و بحثا عن حقهم الطبيعي في الحياة , و قد سجّلت نسبة الاطفال اللاجئين حسب المفوضيّة الأممية لشؤون اللاجئين ان عدد الاطفال اللاجئين حول العالم يقدّر بحوالي 32 مليون طفل و ان اغلب هؤلاء اللاجئين من سوريا حيث تقدر نسبتهم في هذا الشهر " جويلية 2016 " بأكثر من اربعة ملايين طفل و عددا كبيرا من العراق و اليمن , اكثر من نصفهم لم يستطيعوا مزاولة تعليمهم فضلا عن حرمانهم من التغذية السليمة خاصة اطفال المخيمات و من كل وسائل الرعاية الصحية و النظافة و بالتالي اغلبهم يعانون من الامراض المزمنة بسبب البرد في الشتاء و حرارة الصيف و غيرها من الاسباب أمّا الاطفال الذين اسعفهم الحظ للعبور الى الدول المجاورة فأغلبهم يعانون العنصرية و المعاملة السيئة و الاستغلال و غير ذلك , هذا الواقع المرير لهؤلاء الاطفال يجعلنا نتساءل عن مستقبل هذه الناشئة و حتى على مستقبل بلدانهم .
ماهو مصير هؤلاء الاطفال ؟ أي مستقبل يبشرون به ؟ كيف ستكون نفسيتهم في المستقبل و كيف ستكون شخصيتهم ؟ اي مصير ينتظرهم ؟ ماهو نصيبهم من حياة النزوح و التشرّد و الهروب بحثا عن الحياة ؟ و ماهي تبعات تلك المعاناة على انفسهم و على بلدانهم وعلى الامة بشكل عام ؟ و هل يمكن ان يكونوا شبابا يعوّل عليهم في المستقبل ؟
اذا ارادت دولة ما ان تخطط لمستقبل اكثر تقدما و تطورا لابد ان تراهن بشكل خاص على الناشئة لأنهم عماد المستقبل و منارته , فشباب اليوم هو جيل الغد و اطفال اليوم هم شباب المستقبل و قوام وجوده الى درجة ان طبيعة المجتمعات تقاس بعدد شبانه فاليابان مثلا تولي عناية كبرى لللاطفال من جهة تربيتهم و تعليمهم و تأهيلهم و تأطيرهم بالشكل الصحيح و كل الدول المتقدمة تنهج نفس النهج الا أن المتأمّل في واقع الأمة العربية المرتبك اليوم التي تشهد اليوم بسبب الحروب و الارهاب و انتشار الجريمة و الفساد يجعلنا نستشرف مستقبلا قاتما لهذه الأمة أن لم تسعف نفسها بحلول فورية تخص مشكل الطفولة بالذات و قبل كل شيء , فالناشئة اليوم شبه مشلولة نتيجة الاستهداف السياسي الممنهج في حقها وهذا ما يجعلنا ندقّ ناقوس الخطر الذي يهدد مستقبل هذه الناشئة و مستقبل بلدانها و الامة بشكل عام .
يجب ان يعلم المجتمع الدولي و المنظمات الحقوقية الخاصة بحقوق الطفل و كل منظمات حقوق الانسان و الانظمة الحاكمة ان وجد فيها انظمة مازالت تراعي انسانية الانسان و تخشى الله في الاطفال ان اطفال هذه الامة عامة واطفال البلدان المذكورة آنفا يعيشون كارثة انسانية حقيقية فلم تورّثهم الحرب و الطائفية و العنصرية الا الدمار النفسي و الجسدي , فالموت الذي يعيشونه كل يوم وهم تحت القصف و رؤية الدماء و منظر الموتى تحت أنقاض المنازل,العذاب الذي مرّوا به في المعتقلات و الجوع تحت الحصار و الخوف من الموت , التهجير و قطع البراري و البحار هروبا من الموت , العيش في المخيمات , كل هذه الاشكال من المعاناة خلّفت الكثير من العقد النفسية لدي الاطفال خاصة و الكثير من الامراض ك الإكتآب أو الانعزال او الهستيريا التي تترجم الى الميل الى العنف و العدوانية و حب الانتقام و الحديث عن الدماء و الموت و القتل و الصراخ و الكوابيس الليلية , هذا يعني فقدان التوازن النفسي و القدرة على التركيز و الفهم , ان اغلب الاطفال اليوم يعانون من مشكلات ما بعد الصدمة و التي تتجلّى من خلال عدم رغبتهم في الإندماج مع الاخرين , بالإضافة الى استعمالهم للعنف المفرط في تعاملهم مع اقرانهم و رفضهم للواقع الحالي و الذي يتمظهر من خلال هروبهم عمدا من المدارس بالنسبة للاطفال اللاجئين في الدول المجاورة كالاردن و تركيا و لبنان والسودان و التي استطاعت ان تمنحهم فرصة التعليم في مدارسهم .
لم يستطع الطفل في هذه الربوع التعايش مع ظروف الحرب التي فرضت عليه و لم يستطع اللاجئ نسيان ويلاتها و معاناتها و ما تعرض له ,بل لم يعد الطفل في دول الثورات العربية داخلها أو خارجها سويّا من الناحية السيكولوجية وهذا يعني أن أسس المستقبل لهذه المجتمعات مشلولة و عاجزة و ان هؤلاء الاطفال سيمثلون خطرا على مجتمعاتهم في المستقبل لأنهم بهذه النفسية اللاسوية سيشكلون لقمة سائغة للارهاب و للفساد و للإنحراف اي ان دمار الطفل الان سيدمر المجتمع غدا فضلا عن كثرة المعاقين و فاقدي الاهلية و اليتامى في صفوف الاطفال العاجزين عن اعالة انفسهم و سيكونون عبئا على المجتمع و على الدولة في المستقبل التي تحتاج لجهود مضاعفة و قوى شبابية سليمة لكي تنهض باقتصادها لا لمثل هؤلاء الضحايا فعندما نعرف ان 15 مليون طفل يعانون من آثار الحروب و الصراعات الطائفية و العنصرية اغلبهم في الدول العربية الاسلامية ندرك ان 15 مليون شاب عربي مسلم سيكون عبئا على هذه الامة في المستقبل و ربما يشكل خطرا عليها و قد حذّرت منظمة " أنقذوا الاطفال " البريطانية من ضياع جيل كامل من الاطفال في سوريا منذ اندلاع الثورة في 2011 و ذلك بسبب الحرب , إن هذه البلدان تعيش اليوم ازمة طفولة حقيقية وهي أمام جيل كامل مهدد بالضياع و التهميش يضاف الى ذلك الانبتات بالنسبة للنازحين في الاقطار اوروبية , هذا الجيل سوف يمثل في السنوات المقبلة خطرا على الامن القومي و العالمي و قد يكون ضحية بدوره للارهاب و للجريمة المنظمة خاصة و انهم لم يحضوا بالتعليم و لم يدخلوا مدارس في طفولتهم , كما حذرت منظمة اليونيسيف من الاطفال الذين لم يحصلوا على الرعاية الصحية و التعليم و الارشاد الاسري و الحماية لن يكونوا في المستقبل شبابا بالغا , مبدعا و منتجا بقدر ما سوف يكون عاجزا , متواكلا و سلبيا ولا ننسى الاطفال الذين ولدوا من أبوين ينتمون الى الجماعات الاسلامية المتطرفة أثناء الحرب و الذين لا يمتلكون وثائق رسمية لتسجيل اطفالهم عند الولادة و الاطفال الذين أتوا الى هذه الحياة عن طريق اغتصاب النساء في الحرب , هؤلاء الاطفال بدورهم ضحايا للتطرف و للجهل وللهمجية سيكونون مستقبلا مجهولي النسب و لن يتمكنوا من الشغل او من الدراسة او من السفر اومن اي حق عام الا بوثائق رسمية وهو ما سيضطرهم للتزويرو هذا في حد ذاته يمثل سببا قويا لزرع النقمة في نفوسهم عندما يصبحون شبابا و يشعرون بالمسئولية اكثر , اذ يكفي ان يشعر الشاب أنه بلا هوية حتى يشعر بالضياع و فقدان اليقين و اغتراب الذات و فقدان الثقة في كل شيء والحال أن الجهات الحكومية لا تعترف به ولا بحقوقه ولا تعتبره مواطنا اصلا و من هنا سيبدأ بالحقد على والديه اولا ثم على المجتمع الذي ولد فيه ثانيا ثم على الدولة ثالثا و هذا ما سيجعله ينحدر الى مسلسل العنف بسهولة او ربما يختار الانحراف بطرقه المتعددة .
واقع الاطفال في اقطار الثورات العربية اليوم يمثل مشكلا حقيقيا يطرح نفسه ليس فقط على مفكري علم الاجتماع و انما على كل مواطن عربي يحمل همّ هذه الأمة من المحيط الى الخليج , هذا اذا قمنا بنظرة استشرافية على مستقبل هذا الجيل و ما يمكن ان يكون عليه و ما يستتبع ذلك من مشكلات اخرى تلقى على عاتق هذه الدول و على عاتق الامة بشكل عام و الاخطر من ذلك أننا لا نستطيع ان نقدّم حلولا فورية و جذرية لتجاوز ازمة الطفولة في هذه الاقطار مادامت أسباب هذه الازمة مازالت قائمة و في تفاقم مستمر و لكن ضرورة التحسيس و التنبيه امر واجب على كل حال .