بعد أكثر من خمس سنوات على سقوط الرئيس التونسي المستبد زين العابدين بن علي، تواجه البلاد عددا من التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية. وبما أن التونسيين يحاولون قيادة أصغر دولة في شمال أفريقيا من خلال الأمواج المتلاطمة، فيمكن أن يتم تفهم البعض من السياسيين ورجال الأعمال في حلمهم بقيام ليبيا أكثر استقرارا.
الجارة الشرقية للبلاد غنية بالنفط والغاز، وبعد مرور خمس سنوات من إراقة الدماء داخليا، تبدو اليوم أنها في حاجة ماسة إلى إعادة بنائها. قد تكون أسعار النفط والغاز تشهد المزيد من الانخفاض وتراجع تدفق الصادرات إلى ربع ما كانت عليه في عام 2010 قبل الإطاحة بالدكتاتور معمر القذافي في عام 2011، ولكن عدد سكان ليبيا أقل بكثير من سكان تونس، وثرواتها أكثر مما يوجد في تونس بكثير.
ظلت ليبيا لعقود طويلة نقطة جذب للعمال التونسيين، على الأقل للفقراء من المناطق النائية في الجنوب والجنوب الغربي، ولأصحاب المشاريع التونسية من شركات المقاولات والأغذية.
الليبيون مرحب بهم كسياح في تونس، لم يكن ذلك أكثر مما هو عليه اليوم خاصة بعد أن هجر الأوروبيون، عموما، الشواطئ التونسية في أعقاب الهجمات الإرهابية لعام 2015 في متحف باردو بتونس وأحد الفنادق في مدينة سوسة.
بدلا من أن تصبح ليبيا نقطة جذب، يبدو أن المنطقة الغربية من تريبولتانيا (إقليم طرابلس)، تميل، منذ عدة قرون تجاه الغرب، في حين أن المنطقة الشرقية من برقة إلى بنغازي، تميل منذ عدة قرون، في اتجاه القاهرة.
ومهما كان الأمر، هناك شك بسيط في أن ليبيا -حيث الحد الأدنى من الوحدة السياسية لا يزال سائدا، وحيث بدأ يخفت الصوت العالي للأسلحة، وحيث توجد عملة واحدة بدلا من اثنين- سوف تمنح لتونس نقطتين إضافيتين من النمو. سوف تصبح تحويلات العاملين في الخارج والصادرات من تونس ثمينة لبلد يبلغ معدل النمو فيه حوالي 1 في المئة، ويشهد معدل البطالة تزايدا ومستويات المعيشة في تراجع بالنسبة إلى الكثيرين، إن لم تكن الأغلبية.
في حالة تونس، الحلم بما قد توفره ليبيا أكثر استقرارا يعتبر أمرا خطرا، لأنه يجنبها الحاجة إلى مواجهة القضايا المحلية التي تحتاج إلى المعالجة إذا تولّد في تونس شعور بالضيق الاقتصادي.
بصرف النظر عن التأثيرات غير المباشرة في تونس، فإن إعادة إعمار ليبيا يمكن أن تكون بالغ الفائدة للشعب الليبي نفسه. تحويل السيوف إلى محاريث بعد خمس سنوات من العنف والسعي إلى إقامة دولة طبيعية بعد عقود من حكم القذافي ليس بالأمر السهل، ولكن ذلك لن يحدث إلى إذا تمكنت ليبيا من توفير المزيد من فرص العمل لأبنائها وبناتها أكثر من طموحها إلى حياة أكثر طبيعية وأكثر هدوءا.
وهناك ثلاثة عوامل من شأنها أن تقرر ما إذا كان بمقدور تونس أن تتحرك للخروج من المأزق الذي أوجدت نفسها فيه. العامل الأول، هو ما إذا كان الرئيس الباجي قائد السبسي قادرا أن يجد ويعين رئيسا للوزراء أشبه بالحيوان السياسي الحقيقي، تكون لديه كاريزما ويجرؤ على قول الحقيقة للشعب التونسي.
هذا شرط لا غنى عنه إذا كان يريد استعادة سلطة الدولة، وإذا تعذر ذلك التوجه الذي يميز الشؤون الاقتصادية والسياسية، فإن ثورة شعبية أخرى سوف تندلع في نهاية المطاف، إن عاجلا أو آجلا. يحتاج رئيس الوزراء الجديد إلى حكومة مضيقة من الرجال والنساء الأكفاء والملتزمين، على عكس الحكومة السابقة المنتفخة، وبلا ملامح، التي أدارت البلاد خلال الثمانية عشر شهرا الماضية.
والعامل الثاني هو أن نوضح لأولئك الذين لم يستفيدوا كثيرا من النمو الاقتصادي خلال العقود الأخيرة أنه سوف يتم إدراجهم في القرارات السياسية المستقبلية. وعلى نفس المنوال، يجب أن يقبل الأغنياء بقدر من إعادة توزيع الثروة. هذا النظام البنكي الذي يعمل لصالح بعض القطاعات -أصحاب الفنادق والمقربين من السلطة القائمة- يفسر لماذا لا يتم توفير القروض لأصحاب المشاريع الصغرى من الشباب الذين يعيشون في المناطق النائية الفقيرة.
والعامل الثالث هو مصارحة الشعب التونسي بأن الدم والعرق والدموع قد لا تمثل كلها السبيل الوحيد للخروج من الوضع الحالي. يعيش التونسيون فوق إمكانياتهم لفترة طويلة، ولكن إلى أن يصارحهم القادة السياسيون بذلك، من غير المرجح أن يواجهوا الواقع.
هنا حيرة متوقعة حول القدرة على المساعدة في إعادة بناء ليبيا، وبالتالي ينبغي أن يتم وضع جميع الوظائف وعقود الشركات التونسية التي قد تترتب على ذلك ضمن هذا السياق. لو لم يحدث ذلك، فسوف يتم تتويج العملية، بمفاجأة إلهية تُظهر أن الله لم ينس الشعب التونسي.
لكن السراب في ليبيا لا يمكن أن يكون أقل من عادي، ولكن لا تبدو الحقيقة مريحة ( بالنسبة إلى الكثيرين في أوساط النخبة التونسية) حيث لا ليبيا ولا المساعدات الدولية يمكنها، بمفردها، حل مشكلات البلاد. تحقيق نمو اقتصادي سريع لا يأتي إلا نتيجة لإصلاحات مؤلمة. تونس قد تكون الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي لكنها تفتقر إلى أي ثقافة ديمقراطية.
دستورها جيد، وهناك العديد من الأحزاب السياسية، الخطابات التي يستخدمها السياسيون مدهشة، لكن تونس لا يمكنها أن تقف على قدميها إلا بالاتكال على نفسها. لا أحد آخر يستطيع فعل ذلك، سواء كان الاتحاد الأوروبي أو البنك الدولي أو حتى ليبيا.
إلى أن يتم توضيح هذه الحقيقة غير المريحة للشعب التونسي من طرف شخص يحظى بالثقة والاحترام، وإلى أن يتم تقديم حكومة فعالة، وإلى أن تتوقف نقابات العمال عن تجاوز وعودها الديماغوجية، وإلى أن تكف الضواحي الغنية من تونس وقرطاج والمرسى عن معاملة المواطنين الذين يعيشون في المناطق النائية كفلاحين، لن تكون لهذه التجربة الديمقراطية الفريدة في العالم العربي جذور صلبة، وسوف تفشل في خلق فرص للعمل وزراعة الأمل لدى غالبية التونسيين.
فرانسيس غيلس: مشارك في مركز برشلونة للشؤون الدولية