هناك تونسان…

Photo

احدى اهم الاكاذيب السياسية التونسية والتي تحولت الى ايديولوجيا تبرر كل الفضاعات هي القول بان التونسيون منسجمون مذهبيا ..وذلك بقياس خاطئي على المذهبية في الشرق اي بما اننا لسنا منقسمين الى سنة والى شيعة فنحن بالضرورة موحدين مذهبيا ... وهذه هي الخديعة التي تذكر مروجوها على سبيل تدعميها ان عندنا في تونس خوارج اباضية لم يكن يذكرهم احد وأنهم اي الاباضية قريبون من اهل السنة ولا خلاف بيننا وبينهم …

لكن الواقع الذي يفوح بنتانته خاصة يوم 8 مارس و 13 اوت .. يكشف بما لا يدع مجالا لريبة ان هناك تونسان :واحدة حداثية وأخرى متهمة بالتخلف والرجعية والقدامة) يمكنكم استعادة احتفاليات الامس (13-08) لرؤية اسس هذا الانقسام و مظاهرة السلوكية لذلك لا داعي للتذكير بها ولكن وجب التأكيد على ان كذبة التوافق المذهبي تعتبر مكونا ايديولوجيا للعمل السياسي الذي تم منذ الثورة فعل اساس من هذا الانسجام (الكاذب) تم القفز فوق مطالب الثورة الثقافية والاجتماعية وتعويم الفوارق الجهوية التاريخية وتعمية الناس عن الفوارق الحقيقة ..التي سمحت لرئيس الدولة الحداثي ان يتجاهل عمق الشعب و يذهب الى تعميق الاسفين المدقوق في قلب البلد بنصره تيارا على اخر و تصوير الامر على ان ذلك هو تونس الحقيقية…

ان مواصلة استعمال هذه التبريرات الايديولويجية (الانسجام المذهبي) ووقوع الكثيرين في تحليل توافقي اعمى ينتهي بطمس حق الغالبية الواسعة من الشعب التونسي غير المنسجمة مع طرح حداثي فرنسي موغل في فردانيته … ولا يظنن احد ان المختلفين مع هذه الطرح هم الاسلاميون فقط .. فالإسلاميون في هذه اللحظة التاريخية تائهون فعلا وبلا اطروحة فهم يستبطنون ضعفا ونقصا امام الطرح الحداثي ويريدون الالتصاق به (ايديولوجيا الاندماج في النخب التي روح لها الغنوشي) ..متفصين بذلك من اصولهم الريفية المحافظة وهي الغالبة عليهم ..

لكن الطرح المتهم بالرجعية اوسع من الاسلاميين ومن القوميين انه هوية شعب …يجتهد في البقاء دون التفسخ ويعاند ليكون حديثا دون ان يكون فرنسيا …ولا تابعا لأي نموذج .. نموذج يكافح للبقاء منذ الاستقلال ولا تسمح له انظمة الحكم المتتابعة بالتعبير عن نفسه لأنها سرقت منه ادوات التعبير …وحجمته في نموذج الشابة الراعية التي جيء بها من الجبال لإكبار سلوكها الرعوي بدعوى انه اجتهاد مهني …حتى انهم نزعوا غطاء رأسها عن شعرها الفوضوي لتكون ديكورا جيدا في سياق لا تفهمه …(فلا شيء يجمع بين الراعية ومريم بالقاضي سوى سلسلة ارقام بطاقة التعريف ( يوجد مشروع تاصيل ثقافي كبير خارج الطرح الحداثي الفرنسي وخارج الطرح الاسلامي الفاقد لإرادته …

ذلك هو المجال الذي يمكن ان يختفي فيه انقسام التونسيين المذهبي ويمكن بعده الحديث عن توافق حقيقي حول بلد ومشروع.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات