انتهت أشغال تنصيب الحكومة الجديدة، و تحصّل كل وزير على كرسي فاخر من عرق الشّعب، و كمّموا نباح الإعلام ، و أصبح حلزونة داخل صدفتها ،وخلا لهم الجوّ، فأحسست أن الجماعة تعدّ لنا صنيعا، و سيستفردون بنا. فنحن ببركة الشيخين في مأدبة اللئام تنتظر أشعب ليضحكنا على بؤس عقولنا.
تكلّمت الألغام، وكان من ضحاياها شهداء أبناء هذا الوطن، ماتوا غيلة ، وهم يحرسون أسوار هذا الوطن الشّهيد. كلّ يوم يمرّ و نحن نشعر أنّ يد الغدر تعرفنا، و تقدّر مواقيت ضرباتها، فكاّنها جنّ في لبوس إنسان يتنقّل من رأس مخرّب إلى يد زارع أكفان. يريد إخافة الشّعب من الموت. وهل الموت غادر من متردّم؟ فهو فار و الشباب يلحق به في حوادث مرورية و انتحار بدواء الفار أو حبل الصنار.
متى يفهم السّياسي أنّ عقلية التخويف انتهت بانتهاء قصص الغول و أشباح الموتى المتراقصة في المقابر؟ عقل الخوف لم يعد ينطلي على أحد، فالإنسان البدائي كان يخاف لأنّه يجهل النار و الإعصار. و كان الحاكم المستبدّ يستغل تشبث الفرد بالحياة فينتزع منه كل فضيلة و يلزمه بفعل الرّذيلة. و يجب أن يخطئ كي يجد الجلاّد حجّة للقمع و التعذيب و القتل.
أمّا اليوم فنحن نشاهد شبابا لايخاف و يلاحق الموت في كلّ زاوية، و يركب وراءه الأهوال، فالسّيارة لم تعد وسيلة نقل بل هي فراق سريع للقاء بموت ينتطر خطف روح يانعة. و الدّراجات النارية لا ترى منها إلا رأسا دماؤها تشهد بأنّ التعويجات التي قام بها صاحبها عجّلت من مقابلة ملاك الموت. أبناؤنا يتلهّفون على الموت، لا أمل لهم، فهم صغار أو أطفال تشاهد على وجوههم مغامرة الرّحيل.
حكوماتكم السبعة لم تعطي أملا بضرورة العيش، احتكر الشيوخ تصريف الأيام، ولم يبق لشبابها غير الانصراف إلى عوالم لا يجدون فيها أصحاب الرؤوس البيضاء. وهاهو الإجرام و الحوادث تقصف أرواح المستقبل. فهل مازال العيش آمنا؟
الخسارة الكبرى لهذا الوطن ليست المديونية الخانقة، بل أن يخرج السياسي ليبشر الشباب بانسداد الأفق و التّخويف بانعدام العمل ومهما كانت دراستك أو جهلك فسيّان. البطالة قدر عليهم. وهذا الوطن يعاف حركتهم و يريد تجميدهم في كراسي حقيرة في زاوية مقهى نتنة..
راجعوا حساباتكم، و اختاروا بين الرأسمال البشري أو الرّأسمال المادّي. متى وجّهتم البوصلة لأحد الاتّجاهين سيكون التّجديف. فمتى يشعر المواطن بالتلاشي فلا يمكن أن يكون لا ازدهار صناعي و لا فلاحي ولا تعليمي. احتقار البشر داء سيجعل الوطن مستنقعا تكثر فيه الجهالات و الفتاوي و العصبيات.
الوطن يحتاج زرع الأمل وليس إشاعة الوهم و التخويف بانعدام العمل.