المستشفى الجهوي بالقصرين..

Photo

تصدر المستشفى الجهوي بالقصرين هذا الأيام الأخبار بعد الحادث الأليم الذي وقع بمنطقة خمودة وأدى إلى سقوط العشرات بين قتلى وجرحى، وانكشف ككل مرة في مثل هذه المناسبة أو إثر الأحداث الإرهابية مدى القصور الهيكلي الذي يعاني منه هذا المستشفى الذي بقي جهويا منذ بعثه، في حين تأسست مستشفيات أخرى بعده بسنوات عديدة وتحولت إلى مستشفيات جامعية، بما يعنيه من تجهيزات وإطارات ومعدات. ولإلقاء الضوء على الوضع الراهن لهذا المستشفى لابد من إلقاء نظرة تاريخية عليه من زاوية ما رصدته له الدولة من أموال.

يعود تاريخ إحداث المستشفى الجهوي بالقصرين إلى سنة 1960. وقد أسندت له تلك السنة ميزانية بـ21 مليون، وهي أدنى ميزانية تسند إلى مستشفى جهوي تلك السنة، قبله المستشفيات الجهوية بمدنين 49 مليون، وجندوبة 57 مليون، وقفصة 84 مليون. ولإعطاء فكرة عن قيمة تلك الميزانيات، نشير إلى أن مستشفى شارل نيكول وهو واحد من سبعة مستشفيات بالعاصمة، حظي تلك السنة بميزانية قدرها 485 مليون أي ما يساوي 24 ضعفا لميزانية المستشفى الجهوي بالقصرين، طيب لا نقارن بأكبر مستشفى في البلاد. أسندت إلى المستشفى الجهوي بسوسة 318 مليون أي 16 ضعفا لميزانية مستشفى القصرين.

في السنوات اللاحقة وحتى السبعينات كان مستشفى القصرين يحظى بأقل ميزانية ضمن كل المستشفيات الجهوية حتى تلك التي أحدثت بالمعتمديات ومن بينها المستشفى الجهوي الذي أحدث عام 1968 بمعتمدية المنستير التابعة لولاية سوسة، وقد أسندت له ميزانية 132 مليون تلك السنة، مقابل 113 مليون للمستشفى الجهوي بالقصرين. ولم يخرج هذا المستشفى من الرتبة الأخيرة إلا بعد إحداث مستشفيات جهوية أخرى بتوزر وجربة وسيدي بوزيد، ففي سنة 1977 تحصلت هذه المستشفيات على التوالي على الميزانيات التالية: 154 مليون و152 مليون و115 مليون، في حين حصل مستشفى القصرين على 289 مليون. لكن هذا المبلغ يعتبر متواضعا أمام 529 مليون للمستشفى الجهوي بالمنستير الذي تحول إلى مستشفى جامعي سنة 1980.

هل كان ذلك التوزيع يتم لاعتبارات ديمغرافية؟ كلا. ففي سنة 1975 كانت ولاية القصرين تعد 235 ألف نسمة، وكانت ولاية المنستير تعد 224 ألف نسمة. فهل كان ذلك التوزيع يتم لاعتبارات جغرافية، كأن تكون القصرين قريبة من مدن أخرى ذات مستشفيات جامعية مثلا؟ كلا، فالقصرين تبعد عن سوسة حوالي 200 كلم.

الغاية من هذا لا تتجاوز محاولة فهم عدم التوازن الجهوي. وعلى الدولة أن تعترف بأنها كانت تميز بين مواطنيها، وعليها أن تعتذر عما قامت به وتسعى إلى إصلاح الأخطاء التي ارتكبتها، بأن تميز الجهات التي طالما عانت من التمييز ضدها، تطبيقا للفصل 12 من الدستور الذي ورد فيه: "تسعى الدولة إلى تحقيق الاجتماعية، والتنمية المستدامة، والتوازن بين الجهات، استنادا إلى مؤشرات التنمية واعتمادا على مبدإ التمييز الإيجابي". الدولة الحديثة هي التي تعامل مواطنيها على قدم المساواة.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات