إني أنا الماء فاخلع نعليك وسر حاسرا فالماء كعبة ومزار. كذا علمتني إذا نزل السحاب على التراب. إني أنا الماء ولقد شربتُني حتى أزهرت بخريف العمر طفلا شيخا يتصابى في السواقي الراقصة بالطمي والزبد الكثيف والحياة. أنا ثمل بي الآن وجذعي يميس بنسمة ما بعد هطول النوء… وأغصاني تلتذ بي وورقي يغتسل وزهري يفتق أكمامه في الخريف الندي ..
يا أبي …كما عودتني في الماء أن أسير حافيا مكشوف الرأس سرت وكشفت وسال الغدير على الغدير وانتفضت ليكون غسل كامل ثم صلاة … تلك الصلاة صلاتك بعد السيول صليتها لأقول شكرا لرب الماء تحمله الرياح. الطير صافات بعد الماء على الشجر. لصوتها نغم جديد بعد صيف كافر. هي الآن تصلي ولا تحط.لو حطت على كتفي لطرت ولاحتفظت من التراب بروحه.
روح التراب خفيفة كالطير.لو صرت طيرا لحططت على التراب. أثر الطيور على المياه جميل أربعة خطوط صغيرة في الطمي ونقرة منقار. نقطة في سطر مستمر من الحياة. لا طير غير روحك في دمي. وماؤك مائي وحيا واضحا كالماء. ديمة تنسكب على الرأس الحسير والقدم الحافية. ولقد سرى الماء فيّ حتى خلتني ثرى أو طميا في عروق. ثم وجدتي طاهرا قطرة من زيت لوز جبلي على كوب من عصير البرتقال.
عطر يضوع ولا يضيع.عروقي انحلت ولانت ثم انتشت وشربتني في كأس من زهور البرتقال.فوجدتني ووجدتك في درسا واضحا في حب التراب والمياه. لكن الماء دون ترب الأرض بخار عابر فوق الرؤوس. أنزلني يا أبي لأصير ممشى لمقامك. فمائي يزهر بترابك حتى يصيرني أبا. التراب صدر يافع بين الأصابع أهصره فيشتد. أشمه فيرتد علي أنا أمك وأبوك والماء يجمعنا للطهر والصلاة. خجل أنا أن أدوس على الماء في التراب كأني أسير علي وقد تحللت في التراب.
لكن الماء يغريني بالرقص .ولا جناح لأكون فيه ولا أدوسه. الماء حالة شهوة وأنا اشتهاء كامل للزرع. أنت والماء فيّ يا أبي أصير روحا وأطير. ولقد زرعتني فزرعت ولولا ماؤك لجفننا في منعرج السنون القاحلات. الماء شهوة يا أبي وأنا اشتهاء مطلق تحت سحابة ريانة.رأسي عارية والرجل تغوص في نهود الأرض فتبرز حلماتها بين أصابعي فأسيل.
لقد بلغت يا أبي وصار عندي حقل برتقال. لا أحب أن أكون طيرا يا أبي وإن خفقت روحي بجناح من حنين. نجواي في سحابة ظللني كما ظللتني روحك فوق هامتي حاسرة. والطين بعضي دون كلي والماء بعضي دون بعضي لكن بعض وكلي لا يكونان حتى تحل في فإذا حللت فيّ اكتملت وصرنا ماء في تراب. أنت أنا في الشجر. أنا أنت في عروق البرتقال.