حزب التحرير في تونس مثير للجدل. فهو لا يشارك في "اللعبة الديمقراطية" (الانتخابات)، ربما لأنه لا يحبّذ "اللعب" ويرغب في الأمور الجدية فقط، الأمور التي "يقررها أهل الحل والعقد". وهو ينادي بالخلافة ويعتبر "الجمهورية" مصطلحا إنشائيا لا يترتب عليه أي منظومة قوانين. وهو يستعمل خطابا ينتمي إلى ابستيمية لم تعد تحقق التواصل المطلوب اليوم لا مع الخصوم ولا مع الأصدقاء( عبارات قطع الأيدي والرؤوس، ولو على سبيل المجاز). وإنهاء حالة تنظمه القانوني من خلال محكمة عسكرية أمر وارد. بل متوقع. أي الحكم عليه بإخراجه من "اللعبة الديمقراطية" لعدم اعترافه بقواعد هذه اللعبة. ولكن قد تكون لهذا الإجراء المتوقع تبعات سيئة للغاية.
فحزب التحرير يستقطب عددا من الشباب الذي يحلمون بنظام سياسي واجتماعي مغاير تسود فيه قيم العدل والسيادة والتحرر من وصاية الاستعمار والقيم الأخلاقية الأصيلة. وهم صابرون على انتظار إجماع الأمة على هذا الأمر حتى يتحقق بطريقة سلمية ولو تطلب الأمر الانتظار لمدة طويلة جدا. الإنهاء القانوني لحالة تنظم الحزب في تونس لن يجعل منه على الأرجح تنظيما عنيفا على المستوى المؤسسي، فهو قد كان على هذه الحال لمدة عشرات السنين ولم يلتجئ إلى العنف.
ولكن تسرّب بعض الشباب منه، بدافع اليأس، من هذا "النظام الديمقراطي" ومن قرب حلول أجل التغيير والتحرير بفضل حرية التعبير، إلى الحركات العنيفة أمر وارد. السيناريو الأمثل هو أن يقوم حزب التحرير بمراجعات لعلاقته بالمنظومة السياسية الحديثة وأن ينظّر "لخلافة حديثة" تتبنى مفهوم المواطنة عوضا عن مفهوم العبودية وتطور شكلا من أشكال التعامل الديمقراطي. فالديمقراطية لها صيغ متعددة، والديمقراطية التمثيلية (نواب يمثلون شعبا بشكل هرمي) على سبيل المثال، لم تعد مقبولة في الغرب نفسه، والعالم يتجه أكثر فأكثر اليوم نحو "الديمقراطية التشاركية".
لماذا لا يفتح الباب لمناظرات تلفزية بين ممثلي حزب التحرير وباقي الطيف السياسي بالبلاد، وبذلك نمنح ثقتنا في الجمهور وفي المواطن حتى يميز بين الصواب والخطإ وبين النافع والضار؟
أما إذا كنا نخشى أن يتّأثر الجمهور بأطروحات حزب التحرير فهذا دليل على فشل المنوال الثقافي الحديث في تشكيل وعي المواطن، وهنا تبدأ رحلة طويلة من تشخيص الأسباب والبحث عن الحلول.