إضراب عام وغلق طريق وطنية. هذا ما قام به سكان فرنانة، بعد أقل من أسبوعين من تشكيل حكومة الشاهد. لا أوضح من هكذا موقف من الحكومة الموصومة بالوحدة الوطنية. أما مطالبهم فتتمثل في "رحيل بعض المسؤولين والقطع مع ممارسات التهميش التي سببت البطالة والفقر وغياب التنمية ودفعت بشباب المعتمدية إلى الانتحار والنزوح".
فرنانة هذه بلدة تقع في الشمال الغربي. لا يتجاوز عدد سكانها 4615 نسمة (2014)، وهي عاصمة لمعتمدية يبلغ عدد سكانها 47690 نسمة. في هذه المعتمدية تبلغ نسبة الأمية 44.77% مقابل معدل وطني بـ19.34%. وترتفع هذه النسبة بين الإناث في معتمدية فرنانة إلى 54.81% بعد ستين عاما من صدور مجلة الأحوال الشخصية. بمعنى أن هذه الأرقام تبدو متناقضة مع كل الأرقام التي كانت تقدم حول التنمية البشرية ونشر التعليم وبناء المدارس الخ الخ.
بقية المؤشرات لا تقل سوءا، فنسبة البطالة طبقا لإحصاء 2014 بلغت 39.21% أي أكثر من ضعف المعدل على المستوى الوطني. كذلك نسبة المساكن المرتبطة بشبكة الصوناد فهي في حدود 33.28% فقط، أي أن ثلثي المساكن يتزود سكانها من مصادر أخرى على رأسها العيون بنسبة 57.46%، هنا ما قبل الاستقلال، وما يؤكد ذلك أن 90.30 % من المساكن غير مرتبطة بشبكة التطهير. وهذا من المؤشرات على ضعف البنية التحتية، وكما هو واضح ففرنانة تقع بعيدا عن "فرحة الحياة" لعهد المجاهد الأكبر وخارج "مناطق الظل" التي كان يدعي تغطيتها صندوق 26-26، وإلا فأي معنى لأن تكون 33% من المساكن تتوفر على مراحيض (toilette)؟ والبقية بدون طبعا. هذه الأرقام مجردة وبدون تحليل تجعل من هذه المعتمدية نموذجا في فضح البروبغندا الرسمية على امتداد ستين عاما.
غير بعيد عن هذا السياق، فإن 3.03% فقط من الأسر ترتبط بالانترنت، وحينئذ فلا تأثير للانترنت ولا الفيسبوك ولا المدونين، ولا لأي من الأصدقاء الافتراضيين الذين نعرفهم، وإنما المجال رحب أمام أبواق التلفزة حيث أن 88% من الأسر تمتلك جهاز تلفزة. هنا تتحكم المنظومة القديمة كما لو أنها في عهد "قافلة تسير" و"وين كنا وين صبحنا".
وكان من الطبيعي حينئذ أن تحصل على الأصوات التي حصلت عليها، ففي الرئاسيات أحرز السبسي في معتمدية فرنانة على نسبة تفوق 68% بينما لم يحصل على مستوى وطني إلا على 56%، وفي بلدة فرنانة أحرز على ما مجموعه 1619 صوتا من مجموع 2403 أي نسبة 67.37%. وماذا ينتظر غير تلك النسب، فكل الظروف تدفعهم إلى التصويت للمنظومة الوحيدة؟
إلا أن أهلنا في فرنانة خرجوا هذه الأيام يحتجون، يضربون، يغلقون الطريق الوطنية التي تمر بهم. هم يشعرون أنهم أعطوا أصواتهم إلى حيث لا يجب أن تذهب. لقد غالطتهم المنظومة القديمة، كذبت عليهم، وربما اشترت أصوات البعض منهم. وها أنهم يقفون اليوم مع أنفسهم، حيث أن فرنانة لا تختلف عن الكثير من المدن الداخلية الأخرى، مدينة مهمشة تماما.