متطلّبات تغيير الصور النمطيّة.

Photo

في حركة الإنسان (الفردي و الجماعي) في الزمن و الأمكنة، تواجهه الكثير من التحديات و المعضلات كما يجد نفسه في محاطا بالعديد الأطر و السياقات. يتفاعل بالقبول أو الردّ مع ما يعترضه و يواجهه من محيطه، يبني على أساسه و بالانسجام مع ما يتوفّر عليه من قدرات ذاتيّة مستودعة و قابلة للتطوّر و ديناميكيّة، جزءً كبيرا من المعرفة. وهذه المعرفة ليست بالضرورة في قطيعة مع جملة من المعارف القديمة و الموروثة التي تراعي الأبعاد الجغرافيّة و التاريحيّة و الحضاريّة إضافة للبناءات المعرفيّة المجاورة و المحايثة…

من بين هذه البناءات المعرفيّة...ترتسم جملة منها في شكل صور و خيالات رمزيّة ( لا تكون غالبا مطابقة لحقائقها في الواقع) تتميّز بقدرة كبيرة على التغلغل و التفرّع و التشعّب في الفضاء العصبي للذاكرة و تمتلك دينامكيّة و حركيّة تمكّنها من اختراق سهل و ليّن ولكنّه فاعل لكلّ البنى العقليّة الفرديّة و الجماعيّة مع مراعاة لبعض الإختلافات الثقافيّة الجوهريّة بين الأطياف و الجماعات و الأفراد، فهي عابرة تقريبا لكل الحدود العقليّة الإسمنتيّة...إضافة لتحوّزها على منابع عيون لا تنضب في الحقل الإجتماعي و الثقافي، و التي تمدّها بمغذيات تمكنها من الحياة و استمراريّة الوجود، و مع وجود لقابليّة ذهنيّة طبيعيّة لدى الفرد و لدى الجماعة ممّا يؤدي لارتفاع في نصف حياتها…

وهذه الصور و الخيالات هي نمطيّة بامتياز و انطباعيّة تخترق الحدود و المصاف العقليّة، الفرديّة و الجماعيّة، بشكل فاعل و ناعم و سلس، بحيث تخفق الدينيّة و لا الإجتماعية و لا السياسيّة و لا الثقافيّة... من أن تحدّ لا من سرعة النفاذ و التغلغل و لا من مداه.

و هذه الصور تُخزّن في شكل رموز ذهنيّة بداية في الذاكرة القصيرة للفرد أو الجماعة و لأنّ في ارتسامها تتلازم مع كم كبير من الشحنات العاطفيّة ( كره، محبّة، حسد، اشمئزاز...) ممّا يحيلها مباشرة للتخزين بالذاكرة الطويلة المدى و خاصة و أنّ الجسم ذو تلكم الصور يساهم تلقائيّا بوعي و بدونه في استمراريّة وجودها بمدّها بزخم آخر لأوجهها...وهذه الصور راسخة و ثابتة و مترسّبة في البنيات الدقيقة للذاكرة و وريقاتها، و تظهر على السطوح و بشكل فاقع خصوصا في اللحظات الفارقة و المفصليّة و الحاسمة، في المنعرجات و في لحظات التوتر أو التعب وفي لحظات تحسس نقطة الصعود للقمم كما تبرز في فترات التيه و الضياع المجتمعي، و تبقى في حالة كمون و سُبات في فترات الرخاء و الإرتخاء.

و لتغيير ماهية هذه الصور (في الغالب شحناتها سلبيّة و هي تفتقد لمعايير الدقّة مع مواصفات الجسم المنقولة عنه) لا بدّ من عدّة و عتاد، عدّة العمل الهادئ و المتواصل و العقلاني الذي يعتمد على معيار الإقناع بالممارسة عوض الإقناع بالكلام الإنشائي و المسترسل...مع الأخذ بعين الإعتبار العامل الزمني لترك المدى لاختمار تلكمُ المعالجات التي تحدث تغيّرات بطيئة و بتسرّبات معقولة للمضادات الحيويّة العقليّة و الذهنيّة، و عتاد حمل الترياق الأساسي المضاد لهذه الصور الذهنيّة السلبيّة و المتمثل في العمل الدؤوب على درء المفاسد و جلب المنافع ( و جلب المنافع يجب أن يحسّ به الحامل للصور الذهنيّة أوّلا) مع قدرة كبيرة على الدفع بالتي هي أحسن

« وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» فصلت:34، وهذه القدرة و الطاقة « وَ مَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَ مَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» فصلت: 35.

لذلك من المهم لمن، وُضع في موضع المحمول عنه هذه الصور، مفارقة التقييمات الرياضيّة و التقنيّة و الأخلاقويّة تجاه الحامل لتلك الصور ( و هي الحالة الغالبة الناتجة أساسا لقصور ذاتي أمام حلول تتطلّب زمنا و صبرا و أناة و حكمة و ثباتا..) و الإبتعاد بمسافات كبيرة عن المحاججات القوليّة و الكلاميّة و الدراية بالحالة النفسيّة و الإجتماعيّة للحامل مع تغيير الصور الذهنيّة النمطيّة التي يحملها المحمول عنه، لكونه يقوم بدور مزدوج حامل و محمول عنه وهذا من أصعب المعالجات على قاعدة « ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» الأنفال: 53، و الذي تصعب عليه مفارقة و تغيير صوره النمطيّة ليس بمقدوره و مستطاعه تغيير الصور النمطيّة المحمولة عنه من الآخرين.

ملاحظة: الذي ينفق المال و العديد كمّا و يظهره إعلانيّا، من صنف الإجتماعات الجماهيريّة الضخمة التي تشدّ أعين الناس و تفاجئهم، هو سلاح ذو حدّين، و مفعوله يمكن أن يكون سحريّا لكنّه غالبا ما يكون عكسيّا ( بتغذية الصور النمطيّة عوض محاصرتها) لأنّه مخالف للقاعدة القرآنيّة

« وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ۗ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ» الأنفال: 44

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات