بعضهم يعتبر أن ما حدث ويحدث في تونس منذ ديسمبر 2010 مؤامرة عالمية وبعضهم الآخر يعتبره فوضى شعبوية وآخرون يعتبرونه مجرد شغب وهمجية تسبب ويتسبب فيهما الرعاع، "ثوّار البرويطة". جل هؤلاء يؤكدون أن هذا الشعب المتخلف لا يمكنه أن يكون شعبا متقدما ولا يستطيع أن يكون ديمقراطيا يؤسس لدولة ديمقراطية.
شخصيا أعتبر ما حدث ويحدث ثورة شبه مكتملة الشروط. ثورة غير نمطية عنوانها مواطني، اجتماعي وديمقراطي ووقودها عامة من الشعب تفوقت على نخبته. قلتُ "غير نمطية" و"شبه مكتملة الشروط" لأنها لم تحترم التتابع الزمني لشروط الثورات الذي اتبعته كل تلك التي سبقتها، ولأنها لم تكن عنيفة مثلها، ولأنها افتقدت لشرط مهم متمثل في "الثورة الثقافية". أما عن الشعب التونسي فهو نفس هذا الشعب الذي برهن في الأسابيع الأولى التي تلت 14 جانفي أن المواطنة والتحضّر والإيمان بالقيم ليست غريبة ولا متمنعة عنه.
قد يتساءل بعضهم، إذا كان ما أدّعيه صحيحا، لِمَ وصلنا لما وصلنا إليه إذا ؟ هذا سؤال مهم ولن أرد عليه الليلة خيفة أن أهضم حق الموضوع الرئيسي لهاته التدوينة.
من ڤبلّي يأتينا جزء من الرد على بعض التساؤلات وعلى الكثير من الشكوك :
• جمعية تنموية أهلية في جمنة تشرف بعد 14 جانفي على واحة كبرى بالمنطقة أحاطت عديد التساؤلات بظروف استغلالها في زمن التسلط. تحقّق الجمعية نتائج باهرة فتنمّي الواحة وتشغّل العاطلين عن العمل وتستثمر جزءا من المرابيح في مشاريع اجتماعية وفي تطوير البنية التحتية بالمدينة الصغيرة. لم تكتفي الجمعية بهذا، بل أظهرت عقلانية عالية ووعيا متطورا، فهي ما فتئت تطالب الحكام منذ 2011 بالتسوية القانونية لوضعية الواحة معلنة عن استعدادها لتليية كل شروط الدولة ما لم تكن جائرة.
• أهالي قرية بشري يقررون تهيئة طريق مهجورة بين منطقتهم المعزولة وقرية نڤّة بمقدّرات ذاتية.
يقرّرون فكّ عزلتهم بأنفسهم لكي يرتبطوا بباقي طرق الواحات التي اِستُثنُوا. أليست الطرق أول أسباب التنمية ؟
في الحالتين، تتخلى الدولة الظالمة إما عن حقوقها وحقوق شعبها وإما عن واجبها تجاه منتسبيها فيضرب لها مواطنوها مثلا مفحما في الحس المواطني ويلقنونها درسا تطبيقيا في الإقتصاد الإجتماعي التضامني. يرد المواطنون على دولتهم بطريقة يجب أن تحمرّ لها وجنات من حكم ويحكم هذه البلاد… هذا إن كان بهم خجل!
الحالتان تؤكدان أن "الدولة" كانت ظالمة وما زالت وأن التونسيين قاموا فعلا بثورة…. شكرًا ڤبلّي !