الله اكبر
توفي الكاتب الناقد والباحث والمترجم والمربي المتميز المنجي الشملي الذي طبع النصف الثاني من القرن العشرين بنشاطاته الفكرية والأدبية والعلمية والثقافية عموما....
وهو من بين الأساتذة الجامعيين الذين شاركوا في تأسيس كلية الآداب والعلوم الانسانية بتونس...واثروا البلاد بعد الاستقلال بكل ما من شأنه ان ينهض بالإبداعات الادبية والإنتاج الفكري و البحوث في النقد الحديث.....
وقد عمل ايضا خبيرا ثقافيا وتربويا لدى الالكسو التابعة لجامعة الدول العربية واليونسكو التابعة لمنظمة الامم المتحدة...وكان الامين العام للجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم ممثلا عن وزارتي التربية والثقافة للمنظمتين المذكورتين في السبعينيات....
وحضر العديد من المؤتمرات الدولية التي عقدتها المنظمتين فضلا عن الملتقيات والمهرجانات الدولية في عديد البلدان ....
والراحل العزيز كاتب حداثي بحق ..دون ادعاء وتقدمي بإخلاص دون تبجح..ومجدد بحماس دون تعال على الاخرين.. .....
كان ناقدا متأثرا بطه حسين إلا انه تجاوزه لإطلاعه على احدث النظريات النقدية التي ادخلها الى برامج النقد الادبي في الجامعة ..وبشر بها في الساحة الثقافية ....وفضلا عن ذلك كله كان مغرما بالأدب المقارن له في هذا المجال صولات وجولات تؤكد عمق اطلاعه على الادب العالمي وخاصة منه الادب الفرنسي.......
كان المثقفون يحبونه حبا كبيرا..وكان هو من عشاق الساحة الثقافية التونسية ..يسعى دوما للإفادة ويسعى اليه الجميع للتمتع بسعة اطلاعه.
كان سي المنجي صديقي .احببته بإخلاص ..وقد التقينا من اجل الثقافة منذ بداية السبعينات في دار الثقافة ابن خلدون وفي دار الثقافة ابن رشيق ...ثم تعددت لقاءاتنا لتشمل جل دور الثقافة ومراكزها في كامل الجمهورية ...استمعت الى محاضراته الكثيرة ...واستمع الى بعض مداخلاتي ....
اسس في بدايات اهتماماته بالشارع الثقافي مع جملة من المفكرين والباحثين مجلة اطلق عليها اسم ،،التجديد ،، لم تعمر طويلا لنقص الدعم وللتخوف الذي انتاب النظام من محتوياتها...وذلك رغم انه كان قريبا من السلطة ...وله علاقات عميقة مع الحزب الحاكم في فترة بورقيبة وفي فترة بن علي....
وهنا التناقض الذي تأقلم معه اكثر من خمسين سنة ...فهو تقدمي وباحث مخلص إلا انه لم يكن معارضا ..انما هو ناقد مزعج من داخل السلطة.......
وقد كنت اجاهر بنقده في كل لقاءاتنا..وأبدا ما كان ليغضب مني ..وكان يعتبرني في السبعينات شابا متحمسا وفي ما بعد يعتبرني ناقدا جيدا... ..ورغم بعض اختلافاتنا بقيت على احترامي الكبير له...وعلى اتصال ببعضنا وقبل مدة ليست بالطويلة هتف لي شاكرا مقالا كنت كتبته عن كتاب صدر عنه..
وما اعتز به انه كان ملتزما لسنوات طويلة الكتابة في الصباح خاصة في المدة التي قضيتها رئيس تحرير القسم الثقافي .
وما اذكره عنه بفخر انه دعاني مرتين للنظر في انتاج الادباء الناشئين ضمن برنامجه الشهير ،،مع ادبائنا الناشئين ،،..ولما اسست المهرجان الوطني للأدباء الناشئين عام 1986 كان الاستاذ المنجي الشملي من اهم المدعووين في الدورة الاولى بل كان رئيس لجنة النقد مع العلم ان التأسيس كان باسم المهرجان الوطني للأدباء الشبان يشارك فيه الكتاب الذين ينتصرون لصفحتي ادب الشباب في جريدة الصدى الاسبوعية التابعة لجريدة الصباح بدرجة اولى ثم لكل الادباء الشبان الراغبين في الترشح لأقسام المهرجان..القصة والشعر والنقد .
وفي اول جلسة من المهرجان في دورته الأولى وإمام السيد زكرياء بن مصطفى وزير الثقافة انذاك اقترح ان نغير اسم المهرجان ليكون مفتوحا امام جميع الكتاب الناشئين.....والناشئ في الابداع الادبي لا يتحدد بعمر معينة ...المهم ان يبدأ...فهو ناشئ عندئذ..ثم يتطور مع الايام....
فعلا اصبح المهرجان في دورته الثانية يحمل اسم الكتاب الناشئين.. و كان ان ترشح لقسم القصة كاتب عمره اكثر من خمسين سنة ...اسمه علي القلعي الذي قال في طلب المشاركة ،،...انا الان ولدت اديبا .. لم يكن لدي الوقت لاني كنت معلما ..وتفرغت كليا للاهتمام بأبنائنا . واليوم حصلت على التقاعد النسبي فقررت ان اعود الى الكتابة الادبية كما كنت في فاتح شبابي ...ولذا من حقي المشاركة في القصة وفق اسم المهرجان..،،
وقبلته لجنة الفرز بالفعل ..ومن يومها وهو يكتب الى ان توفي رحمه الله عن خمس كتب في القصة والرواية.... بعد خمسة وعشرين سنة من الكتابة المتواصلة ....
من اطرف ما يذكرني بالأستاذ المنجي الشملي دوما هو انه يكره كتابة اسمه المنجي اي بالتعريف....انه متمسك بكتابته بلا تعريف....منجي فقط.
رحمه الله…