عودة إلى موضوع عدم بث الحوار الذي أجرته قناة التاسعة مع الرئيس المنصف المرزوقي، قال البعض إن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة لاستجلاب المشاهدين، ولكن تبين بعد ذلك أن الأمر مختلف. فقد أصدرت القناة بيانا صحفيا أكدت فيه تعرضها لضغوطات. شجاعة. وأشارت إلى مصدر تلك الضغوطات، رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية معا، أي أنها صادرة من داخل مجموعة السبسي ومن داخل مجموعة وزيره الأول. وقد جاء في البيان حرفيا ما يلي:
"تؤكد إدارة القناة تعرضها إلى ضغوطات من قبل مسؤولين في رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، وتدعو رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة إلى توضيح مدى علمها بهذه الضغوطات التي مارسها بعض من تكلم باسمها". وقد صدر هذا البيان يوم 15 سبتمبر 2016، ومرت عليه إلى حد الآن 72 ساعة دون أن ترد عليه لا رئاسة الحكومة ولا رئاسة الجمهورية. وكان بإمكان الرئاستين تكذيب صاحب القناة، ويصدقهما في ذلك القاصي والداني، حيث قد سبق أن عرض المعني بالأمر على طبيب نفساني وأثبت أنه ليس سويا.
إلا أن في التزام الصمت ريبة بما يؤكد صدور الضغوطات من الجهتين معا، تجسيما ربما للتنسيق بين الرئاستين ولسلاسة التعامل بينهما، والأكيد أن المهمة القذرة تم إنجازها عن طريق المستشارين الإعلاميين في القصبة كما في قرطاج، دون استبعاد الطائشين من المستشارين، ممن الحكمة في واد وهم في واد ثالث. وقد لا يتوقف الأمر على المستشارين، وإنما قد يكون بعلم من الرأسين نفسيهما أو حتى بإيماءة منهما، وإلا فما الداعي لاتفاقهما على الصمت المريب؟ ألم يكن في الإمكان التفصي من أفعال المستشارين عندما يرتكبون حماقات؟ وما الذي دفعهما إلى التمنع عن تقديم كبش فداء واحد من الجهتين؟ أخلاق مثلا. ههه.
نضيف في هذا الموضع أن الذين مارسوا الضغوطات أعداء للحرية ولحرية التعبير تحديدا، زائد لا علاقة لهم بالديمقراطية ولا احترام القانون ولا الدستور، كلها عندهم لا تتجاوز طز. إلا أنهم لا يملكون الجرأة للظهور أمام الناس على حقيقتهم، جبناء دائما، نموذجهم الأسمى عبد الوهاب بن عبد الله وسياسة الهواتف. وممارستهم هذه تدخل في إطار التغول الذي وقع التحذير منه منذ سنتين، كما تدخل في إطار تصرفاتهم كأغبياء حقيقيين.
فهم أغبياء لأنهم قد ينجحون في عدم بث حوار مسجل، إلا أن ذلك لن يمر في صمت لوجود طرف ثالث في المشهد، هو الرئيس المرزوقي. إلا أن الأهم من ذلك أن واقعة الحال تكشف عن وجود ضغوطات أخرى لا يوجد فيها طرف ثالث، فلا يسمع بها الجمهور، وهنا تكون الكرة في ملعب الإعلاميين.
الحكمة: كثيرا ما نرى في الشيوخ هيبة الحكمة، ويكون الشباب عنوان الحماس. ولكن ليس هذا دائما، فقد نجد من جهة الخرف ومن جهة الطيش. وإذا التقى الخرف والطيش، فلا حول ولا قوة إلا بالله.