تقول صديقتي إنها تفتح موبايل ابنتها المراهقة كل ليلة بعد أن تنام لتعرف ما يحدث في عالمها. وأقول إنني لا أفعل الشيء نفسه مع ابني المراهق. يحتد النقاش بيننا بين من هي على خطأ ومن هي على صواب. والحقيقة أن لا أحد يخطئ أو يصيب في ما يتعلق بتربية الأبناء تحديدا، فكلنا يجتهد، وفق مفهومه الخاص للخطأ والصواب.
منذ فترة غيرت هاتفي مع هاتف ابني، ولأننا تبادلنا الشرائح الإلكترونية فقد حصل لبس جعل رسائله على واتساب تأتي إلى جهازي. في يوم واحد وصلت قرابة 80 رسالة كاملة! أذهلني العدد وتفاجأت من حجم التواصل مع أصدقائه وزملاء فصله، والوقت الذي يستغرقه ذلك، على حساب الدروس، لكنني لم أفتح الرسائل. وحين أطلعته عليها، وسألته عن مصدرها قال إنه وزملاء فصله يتبادلون المعلومات والأفكار والاقتراحات وحتى الألعاب والنكات. واكتفيت بحركة تأييد من رأسه عندما طلبت منه ألا يترك الرسائل تشغله عن دروسه، ونظرة امتنان لأنني لم أفتح الرسائل.
على عكسي تماما تقوم صديقتي بفتح هاتف ابنتها كل ليلة تقريبا، وتتابع كل حركاتها وسكناتها وعلاقاتها وحواراتها، وتتدخل أيضا بالنصح وأحيانا بتسيير بعض الأمور بينها وبين صديقاتها التي تعتقد أنها لا تسير بشكل جيد وفق منظورها الخاص.
بالنسبة إلى حالتي فإن المخاطر كبيرة بالطبع، وهي مجازفة قد تأتي بنتائج جيدة لكنها أيضا قد تأتي بنتائج سلبية، فالأطفال مهما كانوا على خلق وتربية حسنة، إلا أنهم يظلون أطفالا، وتصرفاتهم غير محسوبة وغير مقروءة، وبالتالي فإن إمكانية الخطأ واردة في أي لحظة. مع ذلك لا أريد أن أدخل في خصوصية طفل في سن المراهقة، وأجد أن من حقه أن يعيش مراهقته كما يحلو له، حتى وإن ارتكب أخطاء، فهي أخطاء ضرورية من أجل تكوينه النفسي فيتعلم التدارك والتصحيح. أكرر على مسمعه دائما أنني موجودة عندما يحتاجني، لكن طالما هو لا يطلب أو يلتجئ إلي لا أتدخل.
الخطأ في تصرفات صديقتي، ودائما وفق رأيي الخاص، أنها لا تترك لابنتها فرصة أن تكون لها حياة صغيرة خاصة بها، وتقحم نفسها بينها وبين أصدقائها، وتملي عليها ردود أفعال وتصرفات معينة، هي في الغالب إسقاطات لتجاربها الشخصية على ظل ابنتها. إلا أن حياة أبنائنا أصغر بكثير من تجاربنا، ولا بد أن تكون ردود الفعل فيها من حجم الفعل أي على السلم الطفولي، فلا نعاقب مثلا صديقا لم يكلمنا يوما بدافع الغيرة أو الإهمال بالابتعاد عنه نهائيا، ولا نرد على شتيمة مازحة من تلك التي يتبادلها الأطفال في ما بينهم بشتيمة مغرضة.
أطفالنا يملكون الحق في إدارة حياة صغيرة في حجمهم، كما نملك نحن الحق في إدارة حياة كبيرة تخصنا. يملكون حق الخطأ أيضا، وحق التصويب، بل وحتى حق أن تكون لهم أسرار صغيرة تخصهم وحدهم. لا يعني هذا ألا نتابعهم ونراقبهم ونتدخل متى استوجب الأمر، فهم دائما في موضع تربية وتوجيه، لكن لم التوجيه إذا ما لم تكن هناك حاجة له؟
وما هي التربية إذا لم تكن تعرضهم لتجارب حقيقية ومواقف متباينة تستوجب منهم التفكير والتمعن والتدرب على مواقف أكبر وأكثر تعقيدا تنتظرهم في المستقبل.ومرة أخرى أقول إن لا أحد يخطئ أو يصيب في تربية الأبناء وأننا جميعا نجتهد.