بعض الكتاب والاعلاميين أكدوا أن دار الشابي التي تمت ازالتها في توزر لا تمثل شيئا وقد كانت خرابا وإزالتها امر عادي لا يجب ان تزعج احدا ..وقالوا بان من يحب الشابي عليه ان يحب شعره ويحفظ بعض ما كتب من شعر..
ولو حافظت سلطات توزر على هذا البناء فلا يمكن استغلاله تماما لان الشابي له متحف وكل ما امكن عن الشابي تم الاحتفاظ به في متحف الشابي في توزر كما ان في توزر ايضا صخرة كبيرة تحمل نصب الشابي الذي يزوره كل من زار توزر ..وبالتالي فان الدار التي تمت ازالتها لم تعد مفيدة لأحد ولا تضيف شيئا للشابي اذا ما تم الاحتفاظ بها..
هذا ملخص بعض ما قيل لمساندة سلطات توزر والتأكيد على ان بيت الشابي لا يهم احدا ولا يمكن ان يزيد من شهرة الشابي او ينقص منها شيئا......
وأنا اعتبر أن هذه المواقف المختلفة خرقاء ومضحكة ...ومؤلمة ايضا
..واعتقد ان ما قامت به سلطات توزر جريمة في حق التراث الثقافي التونسي وليس فقط خطأ في حق الشاعر التونسي ابي القاسم الشابي …
وبالمناسبة أستعرض عليكم ما عشته من احداث طريفة هامة وفاعلة من اجل التراث الثقافي ومن اجل الاعتراف للكتاب والشعراء ....
اولا..
لقد سافرت الى عدد من مدن العالم ودخلت بعض المقاهي والنوادي فإذا بها تحمل لافتات رخامية او بلورية تعلن ان الشاعر فلان كان يجلس هنا ...ولاحظت ان اصحاب هذه المواقع يفتخرون بكونهم يتصرفون او يمتلكون فضاءات كان يجلس فيها شاعر معروف او كاتب كبير …
وقد حدث ان قامت احدى الجهات ترميمات وإصلاحات كبرى وفتح طرقات جديدة فاضطرت الى ايقاف الأشغال عندما اكتشفت ان هناك بيتا في منطقة الترميم كانت لكاتب او شاعر ...ثم يتم استئناف الأشغال لما يتم البحث في ايجاد حل لهذا البيت منها ان محولا كبيرا في قلب روما اصبح يحتضن بيت شاعر من القرن التاسع عشر ...وقامت السلطات في روما بجعل البيت متحفا عالميا ومزارا كبيرا رغم ان له مزارات اخرى او فضاءات اخرى.
وليس هناك اي مشكل بالنسبة لبلدية روما في احداث المزيد..لان المزيد يرتقي بالشاعر ويقوي حضوره وينشر حب الشعر وثقافة التراث التي تعتز برجالها .
ثانيا
حدث ان كنت في الثمانينيات شاهدا على مجيء وفد من مالطا الى تونس يحمل صفة جمعية الشاعر ماريو سكاليزي ...و هذا الشاعر يحمل الجنسية الايطالية وهو من اصل مالطي وعاش في تونس ومات شابا في بداية الثلاثين من عمره ...ومن الصدف ان هذا الشاعر عاصر الشابي بل كان الشابي يعرفه والتقى به عدة مرات حسب شهادة الاستاذ محمود الباجي رحمه الله وهو الذي قدم لي هذه المعلومة .. .بل ذكر لي وهو الذي عرف الرجلين ان الشابي التقى ماريو سكاليزي وتحادثا حول قصيدة قالها الشابي في فتاة اجنبية كان ماريو معجب بها هو الاخر.
هل تعرفون لماذا جاء الوفد المالطي الى تونس...لقد جاء حاملا معه لافتة رخامية كبيرة تقول...،، هنا عاش الشاعر ماريو سكاليزي وكتب بعض شعره من يوم كذا الى يوم كذا …
وللعلم ان الشاعر ماريو سكاليزي عاش مدة في نزل /وكالة العياشي في مدخل باب سويقة .. ..وتم تركيز هذه اللافتة في مدخل هذا النزل ..وللأسف تمت ازالة هذه اللافتة عندما قام اصحابه بعملية ترميم واسعة .
المهم ان اهالي مالطة قاموا بواجبهم ..وأدوا واجبا تاريخيا لا يمكن ان ينسى …
ثالثا
فكرت بلدية العاصمة في بداية التسعينات في اجراء اصلاحات واسعة النطاق وفتح طريق في المدينة العتيقة ومن الصدفة ان بيت الكاتب الكبير البشير خريف صاحب رواية الدقلة في عراجينها كان مهددا بالإزالة لتحسين المنطقة فاتصلت بي في جريدة الصباح ابنته زينب خريف اعلمتني بالكارثة هذه فكتبت مقالا فورا ونشرته في الصفحة الثقافية .وعبرت فيه عن احتجاجي امام محاولة البلدية الاساءة عن قصد او عن جهل للكاتب البشير خريف.
وإحقاقا للحق كان للمقال الاثر العميق على السلطات الرسمية فتحركت في الابان وتم الغاء قرار الازالة.
وأقول ان الشابي شاعر عالمي ولا يزعجنا ان تكون له عديد الفضاءات التي تبرزه وتوسع المعرفة به ..ويمكن ان يقام له الكثير من اللافتات الرخامية لتركيزها على ابواب وفي مداخل كل الامكنة التي عاش فيها الشابي او تردد عليها....
وليس الشابي فقط يستحق هذا التكريم ..بل كل شعرائنا وكتابنا وعلمائنا يستحقون هذا التكريم وهو امر غير مكلف ..انه يتطلب فقط شيئا من الوعي والكثير من الاحساس بأهمية التراث الادبي والفكري والثقافي
...ولا يمكن للمواطن إلا ان يسعد اذا ما دخل الى مقهى فيجد لافتة مكتوب عليها هنا كان بجلس الاديب فلان .. وهنا مات يتردد الاديب فلان…
فما الذي ستخسره السلطات ان قامت بهذا الواجب.. بل بالعكس انها ستربح المحبة من خلال هذه اللافتات الرخامية التذكارية التي تفرح القلوب وتغرس حب الشعر وترسخ حب الكتابة وتعطيها القيمة التي تستحقها من خلال تكريم رجالاتها....
ام اننا مكتفون بنصب بورقيبة وطز في البقية من الذين صنعوا تاريخ وثقافة هذا الوطن …..