مع انطلاق العودة المدرسية صرّح وزير التربية بأن هذه السنة ستكون سنة الإصلاح التربوي بامتياز. يقصد بذلك أن الحوار الوطني حول ذلك الإصلاح قد انتهى وأن اللجان الفنية التي تعمل على وضع الصيغ الإجرائية لمخرجات الحوار الوطني قد انتهت أو أوشكت هي الأخرى على الانتهاء من أعمالها وأننا سنشهد هذه السنة الشروع الفعلي في تطبيق "ما تمّ إعداده من قبل تلك اللجان" على أرض الواقع.
فما نصيب الصحة والواقعية في تصريح الوزير ناجي جلول؟
• أولا، نلاحظ بالفعل طباعة ستة كتب جديدة للسنتين الأولى والثانية ابتدائي
• ثانيا، نسجل وضع روزنامة جديدة للعطل المدرسية وللامتحانات.
• ثالثا، يوجد قرار رسمي بحذف ال20% من تحصيل السنة الدراسية في احتساب المعدل النهائي لامتحان الباكالوريا.
• رابعا، شرعت الوزارة في إعادة رسم الخارطة المدرسية بغلق العديد من المدارس الريفية وضمها إلى مدارس أخرى مأهولة بعدد أكبر من التلاميذ.
• خامسا، استعادت المدرسة عددا من تلاميذها المنقطعين عن الدراسة.
• سادسا، شُرع في العمل جزئيا بالأكلة المدرسية.
• سابعا، بدأت بعض مظاهر التنشيط الثقافي للمدارس أكثر بروزا.
كل هذا صحيح، ولكن أغلب هذه النقاط لا تحسب فعلا لصالح وزير التربية ناجي جلول والفريق العامل معه في الإصلاح التربوي. فإذا ما تجاوزنا فضيحة الإعلان الخاطئ عن زمن العودة المدرسية التي كادت تتطابق مع يوم عيد الإضحى، تقليدا أعمى للمدرسة الفرنسية من قبل الوزير ناجي جلول، فإننا نقول:
فبخصوص النقطة الأولى، تمت طباعة تلك الكتب المدرسية الجديدة من دون موافقة الشريك النقابي في الإصلاح، الذي احتج عن حق على التسرع في طباعة تلك الكتب الانتهاء من ضبط المناهج الجديدة للسنتين الأولى والثانية أساسي، وفي هذا هدر للمال العام، لأنه من المفترض أن يعاد طباعة تلك الكتب بطريقة مختلفة السنة القادمة بعد تغيير تلك المناهج أو البرامج.
أما عن الزمن المدرسي الجديد فالتحفّظ عليه من جهة النقابة هو لعدم مراعاته للزمن الاجتماعي وتفريقه بين عطل التلاميذ وعطل طلبة الجامعات وهو ما يدخل الاضطراب على الزمن والنشاط الأسري.
وفي ما يخص إعادة رسم الخارطة المدرسية، فقد رافق ذلك كوارث تربوية واجتماعية، وتتمثل خاصة في ما يتهدد أغلب التلاميذ الذين أغلقت مدارسهم من انقطاع عن الدراسة لعدم وجود وسائل النقل التي تقلّهم إلى المدارس الجديدة البعيدة عن مقر سكناهم، وفي أغلب الحالات يحشر التلاميذ كالخرفان والماعز في العربات الفلاحية وهم معرضون لعوارض الطقس القاسية من برد وأمطار ورياح وعواصف رملية.
أما الأكلة المدرسية فما زالت بعيدة عن المستوى المطلوب في غياب المرافق والتجهيزات الضرورية لتأمينها لكل التلاميذ أو لأبناء الفقراء منهم (فطور الصباح خاصة) ويتندّر المواطنون بأنهم في الغالب ما يقبلون "ستيكة حليب" يعودون بها للدار عوضا عن أكواب الحليب الساخن التي لا تقدر المدارس على توفيرها لأبنائهم. وفي نفس سياق الظروف المادية للدراسة، وجراء عدم انتداب معلمين جدد، وبناء قاعات جديدة وتوفير عدد كاف من الطاولات، يحصل في عديد الحالات اكتظاظ في الفصول الدراسية، بحيث أظهرت لنا عديد الصور في مواقع التواصل الاجتماعي جلوس الثلاثة والأربعة تلاميذ إلى نفس الطاولة التي لا تتسع في الأصل إلا لتلميذين فقط. هذا إذا ما سلموا من خطر وقوع سقف قاعة الدرس على رؤوسهم وإلا فمكانهم هو رواق المدرسة يصففون فيه مقاعدهم وطاولاتهم أو في العراء. أما عن وعورة الطريق وصعوبة الوصول إلى المدارس زمن هذه الأمطار الغزيرة، فحدّث ولا حرج..
أما التنشيط الثقافي في المدارس بقيادة كافون وكافونة وأشباههما فهو مسخرة بأتم معنى الكلمة وهو يذكرنا بالزمن غير المأسوف عليه، زمن تكريس ثقافة النمط والميوعة في أوساط النشء والشباب أيام حكم بن علي.
وتبقى مشكلة وجود شغور كبير في مستوى إطار التدريس من أكبر المشاكل التي تعترض المسعى إلى تجويد التعليم لأن خيار التشغيل الهش بالالتجاء إلى نواب لا يتقاضون إلا أجرا زهيدا لا يؤدي أبدا إلى ضمان الحد الأدنى من تلك الجودة المنشودة.