مخاض الهوية

Photo

لم تستطع أحزاب الهويات القومية والإسلامية والماركسية جميعا أن تبلور هوية جامعة، نظرا لغياب الوعي الديمقراطي والمدني في عالم متحول، ما جعل سؤال الهوية يظل في صدارة أسئلة الواقع حتى إشعار آخر.

مازال العربي التائه منذ ما ينيف على قرن من الزمن يعيد طرح سؤال الهوية على ذاته، دون أن يجد مخرجا من متاهته، يحرره من هذا الاشتباك المفتوح بين عدد من الهويات المتعارضة، يتداخل فيها الديني بالديني والقومي بالقومي، والديني بالقومي حتى أصبح من الصعب حل هذه المعضلة الوجودية، في ظل هذا الاحتراب السياسي المحتدم بين أصحاب هذه الهويات المختلفة.

تقدم جماعات الإسلام هويتها الإسلامية على أي هوية أخرى، بل هي تلغي جميع الهويات لصالح هويتها المتعالية، لكن هل ثمة هوية إسلامية واحدة في هذا الفضاء الذي تشتبك فيه الهويات الإسلامية، الشيعية والسنية والإباضية والعلوية النصيرية، بينما يذهب القوميون العرب نحو رابط العروبة، باعتباره سابقا على الهوية الإسلامية، التي تستبعد جزءا من المكون العربي، هو المكون المسيحي، الذي يشكل تاريخيا وثقافيا جزءا من النسيج الحضاري والثقافي العربي، لذلك لم يكن غريبا أن يكون أغلب مفكري القومية من المسيحيين، الذين يبحثون عن رابطة تعترف بهم كمكون أساس، وليس أصحاب ذمة أو مواطنين من الدرجة الثانية.

بالمقابل تجاهل القوميون العرب قضية أخرى تتعلق بالإثنيات القومية الأخرى كالكرد والأمازيغ والآشوريين عندما لم يعترفوا بحقوقها الثقافية والسياسية، فحاولوا تعريبها، أو طمس هويتها.

المشكلة الأخرى التي كشفت عنها الأحزاب القومية، هي الهوية المتعارضة بين القوميين العرب والقوميين السوريين، عندما وضع الصنف الأخير الهوية السورية في مواجهة الهوية العربية، ما خلق صراعا إضافيا على الهوية بين هذه الأحزاب أيضا.

وكما تشتت القوميون العرب بين العروبة والإسلام، كذلك كان حال الماركسيين العرب، الذين وضعوا الهوية الأممية فوق الهويتين العربية والإسلامية، وبينما حاول جزء من الأحزاب الماركسية التأكيد على الهوية القومية والإسلامية في أدبياته السياسية، ظل القسم الأكبر من هذه الأحزاب تابعا للخط السوفياتي الأممي وأسير مواقفه السياسية والأيديولوجية.

وعلى غرار الأحزاب القومية انقسم الشيوعيون على أنفسهم، فأصبح الشيوعيون الماويون ضد الشيوعيين التابعين للسوفيات، وصار العداء بينهم أكبر من أي عداء آخر.

لقد تعامل جميع أصحاب هذه الهويات مع هذا المفهوم من منطلق سياسي- عقائدي جامد ومغلق، على خلاف ما شهده هذا المفهوم من تطور وانفتاح في القارة الأوروبية، فرضته الحاجة السياسية والاقتصادية فكان قيام الاتحاد الأوروبي تتويجا لهوية جامعة، بينما لم تستطع أحزاب هذه الهويات القومية والإسلامية والماركسية جميعا أن تبلور هوية جامعة، نظرا لغياب الوعي الديمقراطي والمدني في عالم متحول، ما جعل سؤال الهوية يظل في صدارة أسئلة الواقع حتى إشعار آخر.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات