مليار، مقابل ماذا؟

Photo

نتذكر قصة الأربعة مليارات التي وقع تنزيلها في حساب أحد المترشحين للرئاسة منذ سنتين. ثم نسيناها دون أن ندري كيف أغلق الملف ولا مصير تلك المليارات ولا من هو المتهم ولا كيف سكت عنه القضاء. الأمر نفسه يثار بالنسبة للأحزاب إلا أن الأمر يبقى مناسباتيا ولا يطرح بالنسبة إلى جميع الأحزاب، رغم أن الأمر يهمها جميعا سواء من قبض المليون أو من قبض المليار، سواء من كان كبيرا أو من كان صغيرا. مسألة تمويل الأحزاب تندرج تماما ضمن الشفافية المطلوبة في الديمقراطية. ولا يمكن أن نتكلم عن ديمقراطية إذا لم تكن هناك شفافية في التسيير الحزبي، أي في مستوى الطبقة السياسية المرشحة للحكم أو التي تحكم بالفعل.

ومثلما يجب أن تتوفر الشفافية فيما يتعلق بالأحزاب يجب أن تتوفر كذلك في المجتمع المدني، نعم. نتذكر هنا كيف أن الهيئة طويلة الاسم سمحت للجمعيات بتلقي أموال من الخارج، ولسنا ندري ما هو مبررها في إقرار لذلك؟ ولا من أوحى لها بذلك ولا كيف أقنعت الحاضرين بالتصويت على هذا القانون الذي مازال ساري المفعول إلى يوم الناس هذا. ولا أحد أو على الأقل قلما يطرح السؤال حول تمويل الجمعيات.

مهما يكن من أمر فمثلما يمكن أن تشترى الأحزاب، يمكن كذلك أن تشترى وتوظف الجمعيات، وهو ما ينعكس كذلك سلبيا على الديمقراطية. والأكيد أن الحديث عن الديمقراطية يتوقف بمجرد أن توظف أطراف داخلية في خدمة الأجندات الخارجية. وهنا لا يمكن أن نصدق أن هناك جهات خارجية، مهما كانت طبيعتها، تعطي الأموال لأطراف تونسية، فقط حرصا منها على إنجاح المسار الديمقراطي أو بدون مقابل يذكر. ولا يمكن أن نصدق أن مثل تلك الجمعيات الأجنبية، لا علاقة لها بأهداف سياسية أو حتى مخابراتية لدول تلك الجمعيات. ولا يمكن أن نصدق أن الجمعيات التي تتلقى الأموال لا تقدم لمموليها خدمة أو خدمات مباشرة أو غير مباشرة.

تتهاطل إذن الأموال من الخارج على جمعيات المجتمع المدني، ولسنا ندري هنا هل أنها تصل عن طريق البنك المركزي، حتى نطمئن إلى أن جهة رسمية ما يمكن أن تعرفها، أم أنها تراوغ البنك لتدخل في حقائب دبلوماسية لهذه السفارة أو تلك؟ وحينئذ قد يستحيل على الدولة مراقبتها أو تتبع توزيعها.

وحتى أعطي فكرة عما يمكن أن تبلغه هذه الأموال من حجم، أعطي مثال جمعية "أنا يقظ" المعروفة، فحسب موقعها على الانترنت كانت هذه الجمعية تلقت فيما بين 1 جانفي و31 ديسمبر 2014 ما مجموعه مليار و151 مليون. وخلال سنتي 2015-2016: تلقت مليارا (آخر) و58 مليون. وهذه الأموال هي عبارة عن "هبات" من جمعيات خارجية في مقدمتها جمعية "الشفافية الدولية" المعروفة بعلاقاتها الأمريكية. وإذا كانت مثل هذه الجمعية تعنى بالنزاهة والشفافية فالأمر لا يتوقف عند الكشف عن مصدر الأموال أو حجمها ، وإنما هو يتعلق خاصة بالمقابل الذي يتلقاه الممولون.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات