وطني الأخضر

Photo

تونس الخضراء...الشبيهة خريطتها بإمرأة حبلى تمدّ يديها عاليا في الأفاق و البحار الدافئة... كإمرأة حبلى في كلّ آن تطلق أنّة ولادة و آهة بُشرى...مخاضاتها متعدّدة ومتتالية و ولاداتها عسيرة ومؤلمة بالرغم من اغتسال، ساقيها بوميض الرمل في صحرائها و بقيّة جسدها من كعبيها إلى أعلى أعالي شعورها بخلاصات عطور من الزعتر و الإكليل و الزيتون و الصبار و الحلفاء في المياه الدافئة من واد زرود و مجردة و من مياه البحر في خلجانها و كاباتها وجزرها و شطآنها…

تونس الخضراء إسم و مسمّى يواتيان حُلْمها و حِلْمها...فإذا ما شعبها يوما أراد الحياة لها...فلا بدّ و لا بدّ من أن يستجيب لها قدرها... و لأن شوق و رحيق الحياة يعانق أطفالها...فإنّ التبخر و الإندثار لا يمكنه الحدوث إلاّ لبخار من مائها...و كلّ آلامها و أناتها و آهاتها هي في الحقيقة ليست إلاّ آمال حياة بولادة جديدة... فتونس حلم و وطن...أبناؤها لهم عيون كعيون الآخرين و أرجل و أيدي كالآخرين...و أدمغة كالآخرين... و أفئدة كالآخرين...تشرق عليهم الشمس كغيرهم و الآخرين و تغرب عنهم كالآخرين…

لكن الآخرون ليس لهم لا الشابي و لا ابن خلدون...ولا عندهم خيرالدين و لا بن عاشور...و لا الثعالبي و لا بورقيبة...و لا عقبة و لا الزيتونة...ولا يوسف التميمي و لا الجموسي...و لا الجازية و لا عزيزة عثمانة...و لا القيروان و لا سبيطلة و لا المهديّة...ولا حشاد و لا كلّ الإتحادات الوطنية و لا عندهم ذاتك و لا موضوعك و لا موضوعيتك....ولا ...ولا...ولا...وكلّ هذا ليس إلاّ غيض من فيض الوطن الحرّ الأخضر...و ليس إلاّ بعض نقاط تؤثّث خطوط بصمة السبّابة الوطنيّة الصاعدة بألم و تشتّت و نموّ ضعيف و لكن بإصرار و عضّ بالنواجذ و متابعة إنشاد و تأدية النشيد الوطني الجامع:

إرادة و لحن الحياة…


إذا الشـــعبُ يومًــا أراد الحيــاة***فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ
ولا بــــدَّ لليـــل أن ينجـــلي***ولا بــــدّ للقيـــد أن ينكســـرْ
ومــن لــم يعانقْـه شـوْقُ الحيـاة***تبخَّـــرَ فــي جوِّهــا واندثــرْ
فــويل لمــن لــم تَشُــقهُ الحيـا***مــن صفْعــة العــدَم المنتصـرْ
كـــذلك قــالت لــيَ الكائنــاتُ***وحـــدثني روحُهـــا المســـتتر

فما هو حظّ جيلنا (أنت و أنتِ و أنا و هو وهي وهم…) من النقاط التي سيرسمها على خطوط الطول و العرض، وخطوط الصعود و ما بعده…و التي ستصبح في زمن الأبناء و الأحفاد، إرثا و تراثا و تاريخا تُدرِّسه في ساحات الوطن الجميل و مدارسه مشاريع الرجال و النساء المكتوبة على النواصي الفرديّة و الجماعيّة التي ما زالت لحدّ الآن مرتسمة على الصبغيات و الجينات في شكل محدّدات و كودات (شفرات) جينية وطنيّة (سكانيّة، ثقافيّة، عقليّة، نفسيّة، سلوكيّة، و همم و مطامح حضاريّة…) مخزونة بأصلاب و A.D.N كلّ الخلايا بجمهوريّتنا التونسيّة الآملة بتبرها و بولاداتها و مخاضاتها و عملياتها القيصريّة رغما عن غثائها و همومها و آلامها و أحزانها و نسب نموّها المتدنية…

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات