يستسهل البعض الخوض والتعليق على تداعيات ما يحصل في فعاليات العدالة الانتقالية ، إن هذا المقام له آدابه وقدسيته ، ولا يحتمل اللغو سواء تعاطفا أو معارضة، إن المعنيين مباشرة بالموضوع يعدون بعشرات الآلاف سواء من الضحايا وعائلاتهم وذويهم ومن يقتسمون معهم المرجعية الفكرية والسياسية ،
أو من الجلادين وهم موظفو دولة لهم زملاؤهم وعائلاتهم وذووهم ، ومن هو ضمن منظومة الدولة الحزب الذي حكم البلاد أكثر من نصف قرن فهم كذلك بالملايين ،
هذا فضلا عن عامة المواطنين ،
إن حساسية الموقف لا تحتمل اللغو والجدل بقدر ما تحتمل الاستيعاب من أجل التجاوز بأخف الأضرار للجميع ، ولا يتسنى ذلك إلا باحترام هذا المسار خاصة في رمزيته. ،
للأسف ، نجد عددا ممن يحترفون السب والشتم وعادة ما يكون هؤلاء من السطحيين الذين يبحثون عن التموقع ، فهم لا يدركون ذواتهم إلا من خلال أن يقحموا أنفسهم كطرف في المعارك السياسية والفكرية ،
ولكنهم لا يخوضون هذه المعارك إلا بدفع البغض والكراهية ،
هؤلاء يقابلهم شق آخر يعتبرون أنفسهم موكلين للدفاع عمن يتعاطفون معهم ،
ومن هنا ، نجد أنفسنا في غابة قبيحة لا تنبت إلا السباب والشتيمة ، لا تنبت إلا الشوك ، في وقت نحن نبحث فيه عن أمل ، وفي ذلك شروع في العنف الذي يكبر ككرة الثلج ،
إن هذا المناخ الموبوء بالسطحية والعربدة قد يقود إلى الهاوية ، اتركوا أصحاب الشأن يصرفون أوجاعهم ، ليعبروا إلى طي الصفحة ،
إلى حد الآن لم نسمع ردودا من المتهمين بالتعذيب أو حتى من الجهات الرسمية في الداخلية والسجون ،
بينما يتسابق الغوغاء في إشعال فتيل الفتنة وكأنهم يستبطنون أن طي الصفحة لن يكون إلا بحسم هو من جنس تلك الحقبة السوداء التي نريد طيها ،
ألا يعلم هؤلاء أنه توجد ألغام خطيرة لا يدركونها ، وسأسوق لذلك مؤشرين فقط .
داخل منظومة الضحايا هناك جروح وأصوات تكتم بسبب استمرار المظالم وعدم اعتراف الطبقة السياسية بمظلوميتهم ، فهم يرون جلاد الأمس قد استعاد جبروته خاصة في بعده الرمزي من خلال إعلاميين وسياسيين يدفعون للاستئصال ويمعنون في تجريم ضحايا الأمس ، ومن جهة أخرى ليس بخاف رفض عدد من قواعد النهضة خيار قيادتها التوافقي ، ومنهم من لن يستوعب استقبال الغنوشي لعبد الله القلال …الخ
في الشق المقابل نجد أصوات عديدة ترى في تغول الإسلاميين وسعيهم إلى السيطرة على مفاصل المجتمع إيذانا بمستقبل أسود ، وهم لا يرومون توافقا مغشوشا مع من يعتبرونهم أعداء الحرية والحداثة ، وهؤلاء يدفعون إلى التوتر والأزمة استدراجا لقدوم منقذ على الطريقة المصرية ، تصريحا لا تلميحا ، ويقدرون أن القوى الدولية مهيأة لدعم هذا المسار ،
وبهذا الشكل لا يدرك. " النبارة " من الطرفين أنهم يصبون الزيت على النار ، في ظل وضع اجتماعي وسياسي هش ،
وإذا اشتعل الحريق فلن ينجو أحد سواء كان ظالما أو مظلوما أو حتى مجرد متفرج ،
رفقا بنا ،
دعوا الجراح تندمل.