معظم المستهلكين حول العالم، بمن فيهم التونسيون، ربما يجهلون أو لا يعيرون النفايات أي أهمية أو قيمة، وقد يجدونها مجرد فواضل ومخلفات لا تنفع ويجب التخلص منها سريعا ولا يعلمون أنها كنز لإنتاج الطاقة.
حاليا، ينتج العالم أكثر من 3 مليارات طن سنويا من النفايات، بحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وهي كمية قابلة للزيادة بلا شك. وهذا الرقم يسيل لعاب الدول ذات الاقتصادات الكبيرة مثل الولايات المتحدة والبرازيل واليابان والسويد ودول عربية مثل الإمارات التي تتجه نحو استغلال نفاياتها للحصول على الطاقة النظيفة، لكن لماذا تقبع تونس في الصفوف الخلفية في هذا المضمار رغم أن عدد سكانها يفوق عدد سكان الإمارات؟ ولماذا لا تستفيد من التجربة المغربية؟
لقد فرض النمط الاستهلاكي العصري في العالم ارتفاعا كبيرا في حجم النفايات التي تلقي بها المنازل والمصانع والمكاتب والشركات والإدارات في مكبات القمامة يوميا. ومع النمو الديموغرافي المتسارع للسكان باتت هذه المشكلة تؤرق حكومات الدول، ليس من أجل العمل على التخلص منها بالطرق السليمة حفاظا على البيئة، كما يدعو إلى ذلك البيئيون، ولكن أيضا من أجل تعزيز النشاط الاقتصادي للدولة والاستفادة من العوائد الضخمة التي تدرها لدفع النمو.
منذ سنوات بدأت تونس في العمل على تطوير سوق العمل في شتى القطاعات، ولم تغفل في خططها عن الاستفادة من الأطنان الكبيرة من النفايات، حيث قامت بدفع المستثمرين باتجاه إنشاء الشركات الصغيرة التي تعمل في قطاع تجميع النفايات وإعادة تدويرها، ووضعت في ذلك سنة 2001 حزمة من القوانين التي تسهل العمل في هذا القطاع الحيوي والمستدام.
ومع دخول البلاد في أزمة اقتصادية حادة في أعقاب أحداث يناير 2011، والتي تسببت في شلل معظم القطاعات التي كانت تعتمد عليها الدولة بشكل أساسي في ميزانيتها كقطاعي الفوسفات والسياحة، ظهرت الحاجة إلى الاستفادة من تلك النفايات أكثر، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى وضع مسألة نظافة البيئة واستغلال النفايات ضمن النقاط الخمس الأساسية في برنامج حكومته.
ورغم خطورة هذا الوضع، لم تحرك الدولة ساكنا لتطويق هذا القطاع إلى حد الآن، والأمور لا تسير وفق المخطط المرسوم، إذ لا تزال تونس تسير ببطء شديد للغاية في هذا المجال، ومرآة ذلك الشوارع حيث تظهر أكوام القمامة المكدسة أحيانا لأيام دون أن تعيرها الدولة أو الجهات المسؤولة عن النظافة الاهتمام اللازم. وحتى الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات المخولة الأولى بإسناد الرخص لشركات جمع ونقل النفايات الخاصة حادت عن دورها كثيرا.
قبل نحو عامين، أقرت الحكومة السابقة على لسان عبدالرزاق بن خليفة وزير الدولة للشؤون الجهوية والمحلية، بمدى القصور في تطوير هذا القطاع الحيوي، وقد وضع يده حينها على الإخلال الذي يعيق نموه، حينما أكد أن ضعف القوانين والتشريعات وتداخل الهياكل الحكومية أعاقت تنفيذ البعض من مشاريع تدوير النفايات. وبالتالي يمكن استنتاج أن ما يحصل اليوم من تأخير في تنفيذ المشاريع رهين لطرد البيروقراطية تماما وتسهيل القوانين.
بحسب بيانات معهد الإحصاء التونسي، يقدر حجم النفايات في تونس بنحو 2.75 مليون طن سنويا، ومع ذلك لا تستفيد الدولة إلا بنحو 5 بالمئة فقط منها رغم قدرتها على إيجاد فرص للاستثمار في هذا المجال لإنتاج أكثر من نصف مليار متر مكعب من الغاز سنويا. كما أظهر آخر تقرير للبنك الدولي أن تونس تتواجد ضمن النطاق المتوسط للبلدان التي ينتج كل مواطن فيها أكثر من 200 كيلوغرام من النفايات سنويا، أي ينتج نحو 211 كيلوغراما للفرد، وهو أكثر من إنتاج المواطن المغربي بثلاثة كيلوغرامات تقريبا.
يبدو أن ما تقوم به تونس في الوقت الحالي، وما ستقوم به لاحقا لا يكفي، ومن الواضح أنها تفتقد إلى استراتيجية عملية ورؤية مستدامة يمكن تجسيدهما على أرض الواقع. فالدولة مطالبة بالتركيز أساسا على مجموعة من النقاط لتنشيط هذا القطاع، تتمثل في تطوير التكوين في مجال البيوتكنولوجيا على المستوى الجامعي حيث أن هناك نقصا كبيرا في الموارد البشرية المؤهلة على مستوى التدريب المهني، ودعم الدراسات بالاعتماد على الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن وضع قوانين جديدة محفزة تتماشى مع الظرف الراهن، وعدم الاكتفاء بقانون الاستثمار الجديد )مجلة الاستثمار)، لتشجيع رجال الأعمال التونسيين والأجانب على الاستثمار في تدوير النفايات لإنتاج الطاقة، يعدان أمرا ضروريا في هذا الظرف لا سيما وأن تونس كانت من بين الدول الفاعلة في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ “كوب 22”. وبالتالي فإن فرصة الاستفادة من النفايات لإنتاج الطاقة البديلة باتت أمرا أكثر أهمية للتونسيين باعتبار وأن العالم يتجه تدريجيا نحو المحافظة على البيئة في كل مظاهرها.
إن الاهتمام المتزايد بالطاقة المتجددة من خلال العمل على إنتاجها واستغلالها يتطلب إرادة سياسية قوية للاستفادة من النفايات في توليد الطاقة البديلة. وهذا الأمر قد يساعد على النمو الاقتصادي ولو بشكل بسيط، ولم لا يكون مستقبلا ضمن القطاعات التي تعول عليها الدولة في نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى جانب قطاعي الفوسفات والسياحة؟