الإصلاح التربوي :المنظومة التي قد رسخها الجاهل المخلوع…

Photo

ان اللغة عامل اساسي في نهضة الامم وليست العلوم السبيل الاوحد لتحقيق النهضة فاللغة هي المفتاح الرئيسي في نشر الوعي العام بالمسائل الوطنية الحقيقية التي ترمي الى تطوير البلد والنهوض به وتحقيق الاشعاع الثقافي الادبي والعلمي. ولذلك اذا ما كان الاصلاح التربوي غاية وطنية راسخة في نفوس المسؤولين عن تحقيقه فلا بد من ايلاء اللغة المكانة التي تستحقها حتى نتمكن من تكوين اشخاص قادرين على القراءة و وسائل القراءة عديدة ربما اهمها التفكير النقدي.

وعن طريق القراءة يتاح للشباب النهوض بمستواهم الفكري والرقي بوعيهم. وقبل ان يكون الحديث حول اختيار اللغة الثانية، ولا بد من الإشارة في هذا الموقع مرور الكرام الى تقهقر اللغة الفرنسية وتراجع اشعاعها في ميدان العلوم، يجب ان يكون الحديث عن القيمة الحقيقية التي يجب ان تتمتع بها اللغة العربية فقد بلغنا مستوى يرثى له الجبين فالشباب اليوم غير قادر البتة على تكوين جملة واحدة صحيحة بالعربية فما بالك بأحوالهم في اللغات الاجنبية.

ان الازمة الثقافية هي بالأساس نتاج استراتيجيات اليسار الاستئصالي الذي اراد بن علي ان يستغله لطمس معالم الهوية الاسلامية بكل ما يمت اليها من صلة. ومن الكارثي ان نعيد الكرة في صمت متقع وصت تعتيم اعلامي تسيطر عليه جهات دون غيرها.

ان الإصلاح التربوي انما هو منظومة شاملة متكاملة وهي نتاج لعصارة فكر المصلحين و لبابة التجارب الإصلاحية التربوية الناجحة في عدد من البلدان. ولذلك يجب على المسؤول على الإصلاح ان يشرك طيفا واسعا من المربين الذين كانت لهم تجربة خاصة في الفكر الإصلاحي المنهجي و ان لا يتفرد بالراي فمثل هذه الإصلاحات يستلزم تكاثف الجهود و عملا جماعيا يجمع بين مختلف الاطياف على اختلاف مرجعياتها و ايديولوجياتها ليدلي كل بدوله في منظومة يكون الهدف منها هو الإصلاح و ليس كسب النقاط على الخصوم.

ان الإصلاح التربوي يكون بناءا عندما يكون الهدف خالصا لتأسيس وتكوين شخصية متوازنة قادرة على البذل والعطاء. ان من اهم الفوارق بين التعليم في عهد بن علي والتعليم ابان الاستقلال ان المعلومة تضيع بمرور الامتحان مباشرة. ان العلاقة بين المعلم والمتعلم كانت تشبه علاقة الوكالة فالمعلم يملي على المتعلم درسه الذي كان قد أعدته في اول أعوام تعيينه و لم يقم بمراجعته او تحيينه (و المشكلة هنا تكون اعظم و تطرح بشكل اهم في المستويات المتقدمة من التعليم و مجال الهندسة مثال لذلك) منذ ذلك الحين و يطالبه بان يرجع له ما كان قد اؤتمن عليه يوم الامتحان.

وكانت لوالدتي كلمة كثيرا ما ترددها في هذا الموضع فتقول واصفة " هذه بضاعتكم ردت اليكم". ونتاج هذه المنظومة يكون جهل المتعلم و عدم قدرته على النقد و بالتالي عدم قدرته على الابداع و الخلق. اما و قد وصفنا العلة و بعض نتاجها فلا بد من النظر في بعض أسبابها. وان من اهم أسباب هذا المنهج هو عدم زرع محبة العلم في نفوس المتعلمين وعدم حثهم عليه.

من اهم أسباب النجاح والتميز في بعض الاختصاصات هو حب الاختصاص و الرغبة في التزود منه قدر الاستطاعة بغية القدرة على التطوير و الإضافة في هذا المجال. ما حدث ويحدث في تونس هو ان العلم لم يعد قيمة يحتفى به لذاته و انما تحول العلم الى أداة مادية يرجى منها كسب المال و تحقيق العيش الفاخر. وهنا نربط مع مشكلة انعدام الاخلاق و القيمة في المادة المقدمة في المنظومة التي قد رسخها الجاهل المخلوع.

ان الإصلاح يمر عبر مراحل عدة و لا يكون فرديا و لا علويا و لا اعتباطيا. ان المنظومة الحاضرة اليوم هي منظومة فاشلة باجماع كل الاطياف على اختلاف الوانها و مستوياتها الفكرية و الثقافية. و لذلك لا يمكن ان يتحقق الإصلاح بقرارات مشتتة تكون فردية حينا و اعتباطية حينا اخر و يقع الرجوع عليها احينا أخرى بعد مدة من إصدارها. بل يتحقق الإصلاح الذي فيه صلاح الناشئة حين تتبلور منظومة إصلاحية هي نتاج فكري جامع و شامل تتبلور فيه خاصية المجتمع التونسي و يأخذ في اعتباره الواقع حتى يكون قابلا للتحقيق. و هنا تمر الواقعية برصد الأولويات و دراسة الممكن حتى لا تكون ضارة لا نافعة.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات