نعمل على هذا الفضاء على تشكيل رأي عام "ثوري" بالمعنى التأسيسي للكلمة يتمسك بالتحقيق الناجز للاستحقاقات الأساسية لحركة 17_14 في الحرية و الكرامة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية من أجل تونس مستقلة و قادرة على أن تكون نموذجا لشعوب الأمة في الانعتاق الوطني الديمقراطي .
لكن بموازاة هذا الفضاء و في الواقع السياسي يدور صراع بعناوين و أدوات أخرى بين أحزاب و مجموعات سياسية اختزلت "الثورة" كرها أو طوعا أو بتخطيط مُسبق في انتقال ديمقراطي يُخاض فيه التنافس على التموقع في أعماق الدولة و التسوية مع القوى المسيطرة على الاعلام و انتزاع الاعتراف من القُوى الدولية المُساهمة في تقرير المصير التونسي سلبا أو ايجابا .
أعلم أن عديد الفاعلين على هذا الفضاء كتابة أو تعليقا أو مشاركة و من بينهم عبدكم الحقير كاتب هذه الكلمات لا يرى نفسه في أي من الأحزاب و القوى و المجموعات الفاعلة على ساحة الواقع السياسي باعتبارها لا تلبي طموحي في مشروع سياسي تأسيسي شامل و لا تغرينا سقوفها "الانتقالية" و تشابك المصالح الذاتية فيها مع حسابات الواقع المحكوم بأجندات محلية و دولية متداخلة و مخيفة .
لذلك لا أتوهم و لا اظن ان اصدقاء ممن أعرفهم يتوهمون القدرة على الفعل الحقيقي مثل هذه الأحزاب الشقيقة و الصديقة فنحن لا نملك قدرة مثلها على المنافسة في مواقع الدولة أو الاستفادة من لوبيات المال و الاعلام الجيد و الفاسد و لا نملك الأهلية للتعامل مع قوى دولية تستثمر في مجموعات لا في أفراد .
لكن لماذا أنتصر و أدفع في اتجاه انتصارات جزئية في مجال العدالة الانتقالية و فضح مؤامرات بقايا المنظومة القديمة و حلفائها و التصدي لترهات اعلام العار ؟ لماذا نبدو و كأننا ننحاز أحيانا لأحزاب بعينها مثل النهضة أو الحراك أو التيار أو باقي القوى الديمقراطية و المجموعات الوطنية ؟ هل لأنني أعتبرهم يمثلون قيادة المشروع الوطني كما أتصوره أو ان قياداتها هي نموذج القيادة الوطنية التي أفكر فيها ؟
أبدا . لعل العكس غالبا هو الأصح . و لكن لأنني أعتبر كل نصر جزئي في ما ذكرتُه من معارك أعلاه سيتيح مستقبلا لأجيال جديدة حتى تعيش في تونس أقل فسادا و استبدادا و مع طبقة سياسية أقرب الى مشروع التأسيس و في حياة سياسية يُتاح فيها حتى لمن لا يملك المال و الاعلام و العلاقات الدولية مثلنا أن يتقدم لشعبه بمشاريعه دون حاجة الى كلفة باهضة كالتي تملكها الآن هذه الأحزاب الصديقة و الشقيقة و تبذرها في مشاريع بلا افق تقودها قيادات بلا كفاءة .
قد يستفيد من جهدنا على هذا الفضاء أحزاب أدرك أنها فاشلة في السنوات الخمسة الماضية مثلما ستكون فاشلة في السنوات المقبلة في التعبير عن طموحنا الفكري الحقيقي لكننا نعتبر جهدنا لمستقبل قادم سيجني فيه أبناؤنا و أحفادنا ثمرته .نحن لا نُطيب لغيرنا كما مازحني أحد الأصدقاء قائلا أن هناك من يطيب للقديمة و انتم للجديدة .