حاولت في الجلسة الثالثة للاستماع ان انظر الى شهادات المناضلين من زاوية تحليل جديدة بعد ان ركزت سابقا على مقومات منظومة التعذيب و منطقها و توقفنا عند تفاصيل القمع المتشابهة في كل الحقب و التي ستتكرر بنفس التوصيف.
مناضلو الجلسة الثالثة من السياسيين هم على التوالي محرزية بلعابد و نجوى الرزقي و عبدالله بن صالح المنتمين تباعا الى التيار الاسلامي و اليساري و العروبي.
هؤلاء المناضلون هم ممن يمكن وصفهم تنظيميا بالحركيين الميدانيين من المواقع الوسطى او القاعدية .و ينحدرون اجتماعيا من عمق الهامش الطبقي او الجهوي و لم يعرف عنهم اثناء التجربة النضالية او بعد الثورة ارتقاء تنظيمي في احزابهم او تياراتهم و لم يكونوا وجوها معروفة في ساحة الاعلام او الجدل السياسي الممشهد على الشاشة او الافتراضي .
افلتت من شهادة ثلاثتهم جمل مفاتيح استعملها لصياغة بروفيل معين لنوعية معينة من ،،المناضلين،، تسمح لي باستخلاصات محددة في الفكر السياسي و تحليل المشهد فكريا و نفسيا.
كان المشترك بين الثلاثة اشارتهم عفويا الى ان لحظة ،،القرار الايديولوجي،، كانت لاحقة لاكتشافات ،،عملية،، ما يسمح لي بالقول ان ،،الايديولوجيا،، عند هؤلاء كانت في معناها ،،الاصلي و الاصيل،، اي مجرد ،،تقنية،، تم اختيارها حلا عمليا لمشكل واقعي لتصبح حلما او ،،عقيدة،، لانسان لا لالة تنظيمية او لسياسي ،،محترف،، او ،،زعيم براغماتي،، تكون عنده الايديولوجيا مجرد ،،بضاعة تعبوية،، لقائد يخاصم من اجل السلطة .
قالت محرزية انها كانت ميالة للعمل الاجتماعي و فعل الخير في حي شعبي مهمش لتكتشف بعد اغتيال سياسي لجارها الطالب ان الاغتراب القيمي للواقع سياسي بالاساس .اما نجوى فقد دخلت السياسة من رحم المعاناة الطبقية و كان عبدالله بن صالح مسكونا بتجربة الاحساس بتمزق الامة .يتعلق الامر لدى ثلاثتهم بزوايا نظر متكاملة للواقع عبرت عن زوايا ثلاثة في ايديولوجيات ثلاثة كانت تحتاج الى ايديولوجيا تاليفية رابعة تجعل محرزية و نجوى و عبدالله القادمين من ،،الواقع،، الى ،،السياسة،،في نفس ،،الحزب،،.
ليس هذا الاستخلاص من خيال عاطفتي بل من جوهر الجملة او السردية التي نطق بها ثلاثتهم عفويا خارج ،،الحسابات الحزبوية،،التي لا يملكها في العادة هذا النوع من المناضلين من مراتب وسطى تنظيميا ممن تبقى لديهم الايديولوجيا في حدها الاصلي كمجرد تقنية للفعل في الواقع الذي دفعهم الى الحلم بتغييره.
انهت محرزية سرديتها بالتذكير بضرورة الوحدة تحت سقف مشترك لوطن حر فلم يكن حلمها يوما الا خيارا لايديولوجيا لا تراها مبررا للاختلاف الا مع المستبد و تحدثت نجوى بعاطفة جياشة على زميلاتها السجينات الاسلاميات فلم تغير الحزبوية شيئامن انسانيتها التي ذهبت بها الى ايديولوجيا لتقاوم القهر الجتماعي لا لتحترب مع شبيهاتها في القهر .و انتهى عبدالله الى سؤال ،،النحن،،فقد جاء الرجل الى ،،،السياسة،،ليغير واقع قومه لا ليحارب جزء منهم و كان يستشهد بكلام محرزية و نجوى كانهما من حزبه ليسال بنون الجماعة لماذا تخلفنا عن ركب الامم.
هذه الدرجة الصفر من الايديولوجيا هي التي ترد المناضلين الميدانيين و القاعديين الى المعنى الاصيل كمجرد اداة للحلم و القيمة لكن فائضها الكاذب عند القادة و المثقفجين هو الذي يحولها الى حيلة استقطاب في معركة التموقع.
نفس هذه الدرجة الصفر هي التي تمنح هؤلاء درجة اسطورية من العطاء و الاستعداد للتضحية التي نتساءل بالعقل ان كان التنظيم و قادته يستاهلونها لان فائضها الكاذب هو نفسه الذي يجعل هؤلاء القادة يحسبون جيدا حجم تضحياتهم فيهربون في الوقت المناسب او يقولون الحقيقة كاملة للمحقق لانهم يعرفون ان الحقيقة التي جندوا من اجلها ابسط من ان يموتوا لاجلها و ذاك هو الفرق بين من ياتي للسياسة من رحم الحلم الصادق فيكون حطب حروبها و من ياتيها من دقة حساباتها فيكون حاصد ثمارها في حربها و سلمها .