يطلق العرب على اللغة العربية اسم " لغة الضاد " ظنّا منهم طبعا و ظنهم لا يخيب ان اللغة العربية هي اللغة الوحيدة التي تتميّز بحرف الضاد دون سواها من لغات العالم , إنها لغة الشعر أيضا باختلاف أنواعه , فقد جادت بالمعلقات التي مثلت مدرسة للشعراء على مر العصور وهي لغة العلم و الأدب و الأهم من هذا و ذاك أنها لغة القرآن الكريم , كلام الله الذي أنزل بلسان عربي فصيح و العربية هي أكثر اللغات تحدثا و نطقا من من بين مجموعة اللغات السامية و قد أثرت العربية في الكثير من اللغات الأخرى من جهة أنها ساهمت في تغيير معاجمها و إثراء مفرداتها و تغيير بعض تمفصلاتها و لسانها مثل اللغة التركية و الفارسية و الأمازيغية و الكردية و الماليزية و الاندونوسية و الألبانية و بعض اللغات الإفريقية الأخرى كالهاوسا و السواحيلية و الصومالية و يرى بعض علماء الألسنية ان العربية هي أصل كل اللغات لوجودها تقريبا في كل لغات العالم من بعض الألفاظ التي تبدو في ظاهرها مختلفة لكن في الحقيقة هو مجرد انحراف باللفظ بسبب اختلاف اللسان و ربما هذا هو سرّ تميزها و جاذبيتها و تعتبر العربية اللغة الرسمية لكل الوطن العربي إضافة لكونها لغة رسمية في تشاد و ارتريا و الكيان الصهيوني طبعا لغايات سياسية و إستراتيجية وهي إحدى اللغات الرسمية الستّة في الأمم المتحدة .
ان اللغة العربية من أثرى و أغنى لغات العالم , فمعجم الكلمات يعدّ من أقوى و أوسع المعاجم من جهة عدد الكلمات و الأسماء و المفاهيم التي بلغت اثني عشر مليون و خمس مائة ألف كلمة " 12.500000" و هي نسبة لم توجد في أي معجم اخرمن اللغات الأخرى و إذا جاز لنا المقارنة بين العربية و الأنجليزية, اللغة العالمية الأولى اليوم , لغة العولمة و الدولار و الرأسمالية و التكنولوجيا فإن عدد مفردات هذه اللغة لا يتجاوز الستّ مائة الف مفردة " 600.000 " و مع ذلك نشهد اليوم تفوّق الأنجليزية و الفرنسية و بعض اللغات الأخرى بالقيمة و بالدرجة عن اللغة العربية التي كانت رائدة عصرها و خصوصا في صدر الإسلام بفضل انتشار الدين الاسلامي الحنيف و القرآن الكريم و في القرون الوسطى بفضل ازدهار الحركة الشعرية و الأدبية و العلمية عند العرب علما و أن الأدباء و الشعراء و الفلاسفة العرب لم يستعملوا من اللغة العربية إلا أربعة بالمائة فقط من قاموس الكلمات بينما الست و التسعون بالمائة الباقية مهجورة , هذه اللغة تستحق ان تستردّ مجدها اليوم و تصبح صنوا للغات الأخرى بما أنها الترسانة التي تحمي الأمة و تحفظ هويتها من التصدّع و الذوبان في ثقافة الأمم الأخرى , و هذا في الحقيقة يحتاج لجهدا كبيرا منّا و اول هذا الجهد هو أن نحبّها دون تكليف , فإذا أحببناها تكلّمناها و كتبنا بها و جعلناها تاجا على رؤوسنا من جهة أنها سيدة اللغات و أجملها على الإطلاق و أكثرها فصاحة و عمقا رغم أني أعتقد أن حب العربية لا يحتاج لجهد بل هو تلقائي يولد معنا بالفطرة كما تولد فينا العروبة و الإسلام تماما .
ان العربية هي لغة الوحي كما سلف و اشرت الى ذلك حيث لا يتم فهم الوحي الا بالتفقّه في العربية أولا و ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب و قد قيل " تعلموا العربية فإنها تثبّت العقل و تزيد المروءة " و قد قيل في الأثر أن العربية هي لغة اهل الجنة وهذا شرف يزداد لها بعد شرف القرآن و الوحي .
ثاني هذا الجهد هو أن نعي بقيمتها الوجودية و مكانتها في الحفاظ على قيمنا و مبادئنا التي تربينا عليها جيل بعد جيل و ان نعي بما تزخر به من تميّز و مزايا مقارنة باللغات الاخرى و على سبيل المثال علينا أن نعي بأن العربية اكثر اللغات فصاحة في اللسان و أريحية في النطق و سلاسة في القول حيث تحتوي على مدرج صوتي واسع تتوزع و تتمدد فيه مخارج الحروف توزيعا متعادلا و منسجما من الشفتين الى اقصى الحلق فتخرج الأصوات و الكلمات بسلاسة و دون تكلّف,طبعا مقارنة مع اللغة العالمية اليوم وهي الأنقليزية التي تضيق فيها مخارج الحروف فتخرج الأصوات بشكل غير متجانس ولا متوازن حيث نجد في هذه اللغة حرفان فقط حلقيان و بقية الحروف تتزاحم على اللسان و الشفتين فيحصل صعوبة في النطق و غموضا في فهم تمفصلات الكلمة او الجملة.
ثالث هذا الجهد هو أن نعي بالحملة الممنهجة التي تستهدف الهوية العربية الاسلامية من خلال استهداف اللغة العربية و ذلك بالحط من شأنها في مجال التعليم و يتجلّى ذلك من خلال تخفيض الضوارب الخاصة بتدريس المادة و الدعوة الى التخلي عن تدريسها للناشئة ومحاولة التشجيع على استخدام اللسان الدارج حتى في المؤسسات التي من المفروض تستعمل الفصحى كوسائل الإعلام مثلا و الخطابات السياسية و الأحكام القضائية و غيرها و كذلك الكتابة بالدارجة عمدا و بالفرنسية لدى الكثير من الشباب اليوم خاصة على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي بشكل تتفرنس فيه العربية و تتعرّب فيه الفرنسية حتى يضيع الأصل بين هذا الاستعمال و ذاك وهو ما يؤدي حتما إلى تدنّى مستوى هؤلاء في اللغة العربية بشكل فاضح , تعمّد الحديث بالفرنسية او الأنقليزية لدى الكثير من نخبنا ظنّا منهم ان الفرنسية و الأنقليزية هما لغة الحداثة بينما العربية لغة التخلف و الرجعية الخ …
ان اللغة العربية اليوم تواجه الكثير من التحديات منها تراجع حضور العربية الفصحى في المؤسسات و في الاختبارات و في اللسان اليومي حتى اصبحت غريبة في ارضها و بين أهلها , إسقاط الإعراب في الكتابة و النطق حتى لدى المثقفين و المدرّسين و اصبح السكون هو المهيمن على نطق الكلمات عوضا عن الحركات الأصلية التي وضعتها قواعد النحو و الصرف , محاولة التعسف على اللغة العربية بدمجها إياها بالقوة مع اللغات الأجنبية حتى أصبحت عربية متفرنسة او استخدام الفاظ و مفاهيم اجنبية ووضعها في قلب الجملة العربية حتى يبدو المتكلم اكثر حداثة و تقدمية من غيره , السخرية من الذين يتكلمون العربية الفصحى و اعتبارهم قدامى …
تحديات اللغة العربية و احراجاتها كثيرة لا يتسع المجال لذكرها و على هذا الأساس لابد من رد الاعتبار لهذه اللغة و ان لا نتنازل عن شرف الانتماء لها . و قبل ان أختم هذا الموضوع يروق لي أن أذكر بأحد طرائف اللغة العربية من خلال قصة هارون الرشيد و المرأة التي قتل لها كثيرا من بني قومها و أهلها فقدمت عليه في مقرّ الخلافة و بين يدي حاشيته و قالت: " أقرّ الله عينك , و فرّحك بما أتاك , و أتمّ سعدك , لقد حكمت فقسطت" " فسأل هارون الرشيد أصحابه عن قولها فقالوا " ما نراها قالت الا خيرا " فقال " ما أظنكم فهمتم ذلك : أمّا قولها " أقرّ الله عينك " اي أسكنها عن الحركة و إذا سكنت عميت و أمّا قولها " و فرّحك بما أتاك " اي فأخذته من قوله تعالى " حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة " و أما قولها " و أتمّ سعدك " فأخذته من قول الشاعر : إذا تمّ أمر بدا نقصه …ترقّب زوالا اذا قيل تمّ و أما قولها :" لقد حكمت فقسطت" فأخذته من قوله تعالى " و أما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا " هي نباهة هارون الرشيد و فصاحة امرأة و جمال لغة هي العربية .