كان الملك في أيّام الرّخاء يبني القصور، و يفرشها بالرّياش، و يسكنها ذووا الفخار. و يصنع لهم الخدم هريسة حلوة كي تكون سريعة المضغ قليلة العسر بسيطة الهضم. فيزهو سيّدنا و يجزل العطايا لأعضاء وسادته و سنام هيبته. و امّا رعيته فهي نسي منسي. لا يكدّره منهم إلاّ ذووا الحاجات. فيردّهم ردّا قبيحا و يكثر في نعتهم بالهمج الأعراب. وله في احتقارهم الآية بعد الآية.
ولمّا يشتدّ عليه الحال، و تنقضي دراهم السمسار، و لم يعد يجد من عيون الورق لا خلّ و لا شقّ، يخرج المنادي في الرّحاب، يطلب من الأهالي أن يعينوا مولانا على قضاء حوائجه، فهو الخادم النّاصح للملّة و الدّرع المانع من الغمّة و هو السّاتر للعورات و الكابت للنزوات.
يعلو الهرج في العامّة البهماء، فيخرج منهم سفير رائق العبارة خفيف النّظارة يقول لهم : لقد رأيت مولانا في المنام يطوف به ملك كريم يخبره أنّه بعد زوال الشّدة سيكشف له الحجاب و سينال من الجواهر ما لا عين رأت و سيهبها إلى رعيّته الشولاء. وهو لن يكون عليهم بمسيطر بعد اليوم. و سيجلس بين يديه النعجة العجفاء و المرأة الحولاء و الشّيخ المهذار.
و ترى الدّراهم تتدافع دون الرّؤوس، و يمسكها الحاجب ببنان رنّان. ويهتف بحياة " سيدنا" و "ولي نعمتنا و ملهم حركتنا و محرار بركتنا. تفيض الأموال في الأكياس الجوفاء، و يأتي خازن المال يحملها على ظهر عبد طويل العماد قصير الحركات. فيعود بها إلى خزائن الملك.
يخرج الملك ليردّ الكرم بتحية طلعته البهية. فيقول لهم كلاما لو تسمعه جهنم تتشقق عجبا.
أيّها الكلاب النابحة و الخنازير المفلجة و البغال السّائرة هل تصوّرتم أنني سأقابل مالكم بملكي و أجعل منّكم لي إحسانا. أنا الملك الجبّار قاهر سنام جاهليتكم و نفاقكم و إفكم. أنتم الكلاب السّارحة و أنا الماسك بأعنة رقابكم. اغربوا عن وجهي لو كانت لكم عقول هل تصدّقون شخصا تجاوز فيإيذائكم حدّ السّيف. فلا صلحتم و لا صلح حالكم و أنتم تحت شقّي دون عقلي.
صمت شهريار، و صاح الدّيك فقال لها. حقّا هو ملك من أفاضل الملوك. و صدق من قال اللئيم باللئيم يضرب.