جنون السياسة

Photo

يتنادى عدد من السياسيين إلى تعديل الدّستور من أجل إسقاط الفصل الذي يمنع سحب الجنسيّة عن أيّ تونسي و الفصل الذي لا يجيز منع عودة أيّ تونسي إلى بلده ، تمهيدا لمنع عودة المشتبه في انتمائهم إلى جماعات الإرهاب ،

* لا يمكن سحب الجنسية التونسية من أي مواطن تونسي. (الفصل 25 من الدستور.)
* من حق كل تونسي أن يمكّن من العودة إلى أرض الوطن ولا يمكن أن يكون أي فعل أتاه مبررا لمنعه من العودة. (الفصل 25 من الدستور)

هذا ضرب من الجنون و العبث و الارتجال والانفعال السياسويّ الذي لا يقوم على أيّ أساس من الحسّ المدني و التحليل العقلاني و الرّؤية الاستشرافيّة.

نعم هي عودة محفوفة بالمخاطر و لا بدّ من إجراءات صارمة و دقيقة و ناجعة لمواجهتها ، و لكن عدم العودة المنظمة المراقبة المدروسة يعني عودة سريّة و تسلّل للتّراب الوطني يضع أمن البلد في خطر .

كما أنّ الراغبين في العودة سواء من التّائبين أو من لديهم مخطّط لخلق بؤرة توتّر في تونس لن يعودوا من بوابات الحدود الرسميّة إلا المشمولين منهم بالتسليم الرّسمي في إطار اتفاقيات التسليم بين الدّول ، هذه العودة السريّة هي التي يجب التفكير فيها و في مخاطرها ،

الدّول المدنيّة المسؤولة لا تهرب من مسؤولياتها و التزاماتها و لا تتبرّأ من مواطنيها مهما كانت بشاعة الجرائم التي ارتكبوها ، وفي قوانين الدّول المدنيّة و منظوماتها الأمنية و العقابية و الرّقابيّة و الردعيّة و التربويّة ما يردع و يمنع و يقي المجتمعات من مخاطر الإرهاب و الجريمة المنظّمة ،

بقاء ملفّ الإرهاب مادّة للتوظيف الحزبي و المناكفات و المزايدات و المغالبة السياسويّة سيكون له تبعات سلبيّة على مكافحة هذه الظّاهرة ومعالجتها و القضاء عليها من جذورها.

هل تنتفي صفة المواطن عمّن لا يؤمن بمنظومة المواطنة ؟

يقتضي الجواب تعريف منظومة المواطنة التي تعني عقدا مجتمعيا يتمّ بمقتضاه تنظيم العلاقة بين مكونات المجموعة الوطنيّة على أساس المساواة في الحقوق و الواجبات دون تمييز على أيّ اعتبار كان .

و قد خصّصت منظومة المواطنة حيّزا من الحقوق للخارجين عن هذا العقد ممّن ارتكبوا أفعالا تهدّد أمن الدّاخلين في هذا التّعاقد سواء كانت بدافع إجراميّ صرف أو بدافع أيديولوجي عقائدي ، حيث و إن حرمتهم من عدد من الحقوق المدنيّة و السياسيّة كحريّة التنقل و الانتداب في الوظائف العموميّة و الحقّ في الانتخاب .

و لكنّها حفظت لهم عددا من الحقوق الأساسية كالحقّ في الجنسيّة و الإقامة في التراب الوطني و الحرمة الجسديّة والمحاكمة العادلة و العقوبة المجزئة .

في كلّ الحالات لا تنتفي صفة المواطنة بالكليّة عن الخارجين عن منظومة المواطنة مهما ارتكبوا من جرائم بشعة في حقّ أفراد المحتمع و إن سلبت منهم بعض استحقاقاتها.

من خصائص المواطنة أنّها تضمن لأفراد المجتمع الذين ينحرفون عن عقد المواطنة و يرتكبون جرائم في حقّ المنظومة الوطنيّة أن لا تعاملهم بمنطق الثّأر و الانتقام القبلي و لا بمنطق الغاب و لكن بمنطق القانون المدني.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات