تسميم بورقيبة بين الإعلام والتاريخ

Photo

عن كلام الهادي البكوش حول التفكير في تسميم بورقيبة قبل انقلاب 7 نوفمبر، كتب عبد الجليل المسعودي في جريدة الشروق بأنه "تفصيل بسيط" تم "إخراجه من سياقه لإعطائه بعدا متضخّما كاد يحجب القيمة الحقيقية لشهادة تاريخية" (الشروق 10/01/2017)، متسائلا في نفس المقال "هل لهذا الحدّ أصبحت صدورنا تضيق لأبسط تفصيل، ولا يهمّنا غير البحث عن أسباب الإثارة والشغب؟". وكأن المسعودي لم ينتبه إلى ما بدا عليه هو من ضيق الصدر بهذه المناسبة، بما يدعو إلى التساؤل عن صاحب المصلحة في غلق الموضوع بعد ثلاثة أيام فقط من إثارته، خاصة وأنه لم يقع بسطه ولا نقاشه ولا تحليله من قبل المهتمين بالذاكرة الوطنية والتاريخ ولا من السياسيين المعنيين ولا من المواطنين.

الموضوع أن الهادي البكوش الوزير البورقيبي والوزير الأول بعد الانقلاب قد استدعي ليقدم محاضرة على منبر ودادية قدماء البرلمانيين التونسيين، يوم 6 جانفي وتم الإعلان عنها عبر الصحافة قبل ذلك بثلاثة أيام. وهو ما يعني أن كلام المحاضر لم يكن زلة لسان ولا ورد في تعليق على مداخلة قدمها غيره، وإنما تم في منتدى هو المتدخل الرئيسي فيه، ومن المفترض والطبيعي أن يكون قد رتب كلامه مسبقا، ليقدمه أمام زملاء له في السلك الدبلوماسي، يقاسمونه الانتماء والتاريخ والمهنة.

وما نقله الإعلاميون لا مجال لنقاشه إذ قد يكونون اجتزؤوه، ولذلك نأخذ مباشرة ما قاله هو بنفسه لجريدة "الشروق" عندما اتصل هو نفسه بها ليدقق ما نُقل عنه قائلا: "ما قلته حرفيا خلال اجتماع قدماء البرلمانيين أمس الأول في الحديث عن السابع من نوفمبر أعيده حرفيا وهو مسجل فقد قلت "ساورته (بن علي) فكرة تسميمه (الرئيس بورقيبة) بمادة يأتي بها الحبيب عمار من إيطاليا ولكنه أقلع عنها وهي لا تتماشى مع حرصنا على عدم الإساءة إليه واهتدى إلى طريقة أسلم وأكثر تحضرا تتمثل في عزل قصر قرطاج" (الشروق 08/01/2017). مع التشديد على عباراته "ما قلته حرفيا... أعيده حرفيا"، وهو ما يعني تمسكه بقوله. ومما ورد في قوله نتبين أنه:


• يؤكد على التفكير في عملية تسميم بورقيبة.

• لم يبعد نفسه ويورط غيره في الفكرة، وإنما كانت مشتركة بينه وبين بن علي والحبيب عمار.

نذكر هنا بالدور الرئيسي لهذا الثالوث في انقلاب 7 نوفمبر، وهم الذين تقاسموا أكبر المناصب في الدولة رئيس الجمهورية والوزير الأول ووزير الداخلية. وإذا كانوا نفذوا الانقلاب على بورقيبة بالطريقة التي نعرفها فما الغرابة في أن يكونوا فكروا في تسميمه كطريقة هادئة للانقلاب عليه؟ وعلى أية حال فما هو الفرق في النتيجة بين قتله بالسم أو قتله البطيء كالذي وقع بالفعل. ثم خاصة لو أبعد البكوش نفسه من التفكير في التسميم، لجاز للحبيب عمار أو لابن علي أن يكذباه، أما وقد ورط نفسه معهما، فإن ذلك يعطي مصداقية لما قاله. ولا يمكن للمؤرخ أن لا يأخذ كلامه بعين الاعتبار.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات