وجّهت إدارة التربية المعلّم (م.ص) إلى قرية في أقصى الشّمال. أخذ بطاقة تعيينه. قصد محطّة اللواجات، ركب في سيّارة جميلة الخارج مفرفشة الدّاخل.
بعد ثلاث ساعات وصل. فلم يجد المدرسة. سأل عنها رجلا مارّا، فأخبره أنّها مازالت بعيدة. و يمكنه أن يصل إليها عبر شاحنة تخرج في منتصف النهار.
ظهر عليه الإعياء، ولكنه أصرّ على مواصلة الطريق، و وجد الشّاحنة بعد شقاء البحث راسية بجانب أعلاف و القليل من الماعز. كلّم سائقها، فأعلمه أنّ لا مكان له. أصّر على الرّكوب معه. طلب منه أن يمهله ثواني حتى يطلب من صاحب الماعز أن يبحث له عن وسيلة نقل أخرى.
توفّق في الأخير أن يقتلع له مكانا شاغرا في صندوق الشّاحنة. رسمت وجنتاه بسمة بريئة. سيصل إلى المكان الّذي يستطيع أن يغيّر فيه عقل الحجر و طوباوية الأكاذيب لمسؤولين فاسدين.
نزلت قدمه اليسرى مرتعشة، فألحق بها ساقه اليمنى و انتصب واقفا. إنني هنا. في مكان بعيد عن الملاعين قريب من الأصفياء السّاذجين. توجّه إلى المدرسة. لم ير إلاّ لافتة مكتوب عليه" مدرسة عمومية بـ………" ولج من الباب المفتوح، و صاح : من هنا؟ لا صوت يجيب.
بعد ساعتين جاءه رجل يرتدي مئزرا متّسخا. قال له :أنا المنظّف في هذه المدرسة. سلّم عليه. و قدّم له نفسه. وقال له : أين يسكن بقية المدرّسين؟ أدار الحارس رأسه. و طفرت من شدقيه قهقهة : مدرّسون.
لا أحد غيرك قبل بالمجيئ إليها. كلّ من يتوجّه إليها يرفض التعيين حتى و إن كلّفه خسارة الوظيف.
-أين المدير؟
- لا مدير غيرك إن بقيت.فهل ستبقى ؟
- لماذا لا أبقى؟
أدار المنظّف رأسه. و خمّن: ربّما لا يعرف قسوة الحياة في هذا المكان ؟
أعرف أنّك تقول : إنّه لا يعرف قسوة الحياة في هذا المكان؟
- نعم هو ما أفكّر فيه.
- سيكون العمل من الغد. اعلم جميع الأولياء أنّ المدرّس الجديد قد وصل.
- سمعا و طاعة سيّدي.
- أنا لست موظّفا عاديّا يحصل على الرّغيف بسخّان في الشتاء و مكيّف في المصيف أنا إنسان جعلنى القدر صانعا للمصير.
تفاجأ المنظف. وقال في سرّه الأيّام ستصدّق نيته أو يرحل من بعيد.