عشت ما عشته من عمري ولم اشهد بالمرة استعمال كلمة الطحان والطحين في احاديث الناس وكتاباتهم كما اشهده الان .
بل اقول بان هذه الكلمة كانت تستعمل اما نادرا او سرا مع الحاق كلمة عفوا او حاشاكم او واعتذر على النطق بالكلمة .... ...وفي السنوات الاخيرة قد لا تتجاوز الثلاث اصبح استعمال كلمة الطحين بلا حاشاكم وبها ايضا مئات المرات على ما كان عليه استعمالها من قبل.....
فهل يعني ان القاموس تحرر هو ايضا من العبودية وأصبحنا نستعمل صفة الطحان للحديث عن الذي يستحقها بشكل عادي وتلقائي بهدف المواجهة الحقيقية مع الطحانة فقد يشفيهم الله اذا ما اكتشفوا ان الناس يعرفونهم جيدا ولم يعودوا يخجلون منه او يخافونه....لان زمنهم بدأ يرحل..
وإحقاقا للحق كنا نتصور ان زمنهم قد رحل...والواقع الذي بدأنا نسجله بنوع من الحيرة هو تزايد التصرفات والسلوكيات والتحركات والكتابات والخطب واللقاءات التي لا يمكن وصفها إلا بالطحين المبتذل لأن الذين يمارسونه ليس لهم من القدرات والمعرفة التي تجعلهم يغلفون طحينهم في اكياس غير مثقوبة ...اما جماعة الطحين الفاخر فهم يلبسون القفازات المقدودة من انواع فاخرة من الاقمشة..او انهم يرسلون طحينهم في اكياس من الحرير والفيلور والقطيفة.""..وساعد على المبر لا يتغبر ""
والطحان في اللغة هو الذي يطحن القمح والفرينة في طاحونة ..وفي اللهجة التونسية اصبح الطحان يحمل معنى اخر ولد في الثلاثينات من القرن العشرين لما اصبحت مراكز الجندرمة والشرطة الفرنسية تتعاون مع بعض التونسيين الذين يغذونها بأخبار تحركات المقاومين والمناضلين و يعطونها الاخبار عن التحركات المريبة في الاحياء والقرى والباديات والمدن .
هؤلاء كانوا يدخلون المركز وقد غطوا وجوههم بأكياس الفرينة المستعملة كثيرا في المخابز والمتداولة لدى الفقراء في استعمالاتهم اليومية فقد يصنعون منها لباسا...كما ان المحاكم كانت تطلب من الشرطة ان يدخلوا الشهود وفي اكثر الاحيان هم شهود زيف وتشويه وظلم الى القاعة بعد تغطية وجوههم بالشكاير الخاصة بالقمح والفرينة ..وكل ذلك حتى لا يتم الانتقام من"" القواد"" …
ولذا فان التونسيين النبهاء اطلقوا على هؤلاء صفة الطحانة باعتبارهم يحملون على وجوههم شكاير الفرينة...وأصبح القواد هو الطحان...والقواد هو في لغتنا من يتوسط بين طالبي اللذة والعاهرات....
ومع الايام اصبح الطحان هو الذي فقد كل ضمير.. فأي ضمير له وهو يبيع وطنه ويبيع الوطنيين او الابرياء من جريمة ما…
كما ان من يبيع زوجته للمنحرفين وطالبي اللذة القادرين على ان يدفعوا له اصبح عند التونسيين منذ الخمسينات طحانا ...لأن من يبيع زوجته كمن يبيع وطنه…
وعلى الجميع ان يعلموا ان الطحان في المعنى الدارج في تونس لا يوجد في اي مكان من البلاد العربية على الاطلاق وان كان الاخوة في الجزائر يفهمونه جيدا وأيضا يفهمه بعض الليبيين. الذين يترددون على تونس .
ففي كل البلاد العربية مازال الطحان صاحب الطاحونة العادية للحي او الطاحونة الكبيرة لمدينة او لكامل البلاد...ولذلك وأنت تتجول في مدينة عربية يمكنك ان ترى لافتات مكتوب عليها ...طحان شعبي ..طحان وطني.ًطحان مركزي...طحان جديد..طحان بالآلة...طحان تقليدي..طحان خاص..طحان عمومي او حكومي.....ولا يحرك ذلك اي شيء في الأذهان.
إلا ان التونسي قد يهتز بابتسامة عابرة او بضحكة طويلة وهو يقف على لافتة من هذا النوع ..وقد تكون سببا لانطلاق حوارات مع الاخوة العرب في مسالة اختلاف اللهجات.....
وبعد هذه " الطيرادة "" اريد ان أسالكم :
اذا كان الطحين صادرا عن فتاة او سيدة ...فبماذا نصفها...هل هي طحان ام طحانة...فإذا قلنا طحانة فهذا يعني انها تشكل جمعا من حاملي صفة الطحان..وهذا كثير عليها...وإذا قلنا سيدة من عالم الطحين...
فقد يتصور الناس اننا نقصد امرا اخر اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ......