ترامب – بوتين - لوبان على طاولة قمار جائزتها مستقبل العالم

Photo

بعد يوم من تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب مهامه الرئاسية، سيجتمع قادة اليمين المتطرف من أنحاء أوروبا في بلدة ألمانية لمناقشة سبل تعميم وتطبيق سياسات ترامب القائمة على الكراهية والتفرقة في القارة الأوروبية. هكذا قالت منظمة آفاز، التي أضافت أن مارين لوبان “ستتوجه إلى ألمانيا للمشاركة في مؤتمر الكراهية، حيث ستتحدث عن إطلاق جبهة موحدة لليمين المتطرف في أوروبا تهدف إلى الفوز بالانتخابات في فرنسا وإيطاليا وألمانيا وهولندا وغيرها من الدول الأوروبية”. هنا لا ننسى أن النازية حكمت ألمانيا بعد فوزها في الانتخابات.

وتحذر المنظمة “هكذا تتحول الكراهية إلى حراك عالمي”، في محاولة لحشد المنتمين لها والداعمين عبر العالم الافتراضي، لتكوين رأي عالمي مضاد لصعود اليمين في العالم، والحؤول دون تمكنه من السيطرة على حكم أكبر دول العالم، خاصة في أوروبا.

ففي الغرب الأقصى، سيحكم دونالد ترامب الولايات المتحدة الأميركية أربع سنوات على الأقل، وفي أقصى الشرق القوي، فلاديمير بوتين مستمر في حكم روسيا الاتحادية حتى 2018 على الأقل، وقد يتم انتخابه لست سنوات أخرى حتى العام 2024.

وفي الوسط القوي، قد يدعم الفرنسيون انتخاب رئيسة “حزب الجبهة الوطنية” مارين لوبان، ليقبض اليمين على مستقبل أوروبا والعالم. قد تفقد فرنسا عقلها، ويكتمل الثلاثي: شرقي مجرب، وغربي موعود، ووسط واعد بخراب السياسة والأخلاق في موطن الأنوار العالمي.

وللتذكير، كاد اليمين الفرنسي العنصري أن يصل إلى الحكم، عندما خاض مؤسس “حزب الجبهة الوطنية”، جان ماري لوبان، عام 2002، الجولة الثانية للانتخابات ليتنافس مع الرئيس الأسبق، جاك شيراك، وخسر بفارق كبير. عندها لم تفقد فرنسا عقلها.

لكن ما علاقة وعد لوبان بالاعتراف بتبعية شبه جزيرة القرم لروسيا بالمعركة الانتخابية في فرنسا، مادام البرنامج الانتخابي يعتمد على تكبير رعب المهاجرين والإسلاموفوبيا؟

بوتين الروسي، عصيٌّ على التصنيف بين يمين أو يسار، حتى مع وجود بقايا للحزب الشيوعي السوفييتي، فطريقة حكمه مختلطة، ما بين ديمقراطية صناديق الاقتراع، وما بين قيصرية الحزب الواحد، بحيث لم يشكل قطيعة مع الوراثة القيصرية، ولم يستبد تماما على طريقة القبضة الستالينية في الحكم، مسترشدا فقط بخبرته في جهاز الاستخبارات السوفييتية.

ومع الطريقة المختلطة في الحكم، يمكن تخيّل فتى الكرملين الرياضي راعي بقر في سهوب روسيا. هذا الراعي الحريص على “أسلوب الإنتاج الآسيوي” ما قبل الرأسمالي، وما بعد المرحلة الإقطاعية، فهو الحاكم الفعلي هناك منذ 16 سنة (مايو 2000.)

وتناوب مع رئيس وزرائه، ديمتري ميدفيديف،على منصب الرئيس ومنصب رئيس الوزراء، دون أن يزعجا البرلمان بتغيير الدستور، الذي ينص على عدم جواز انتخاب الرئيس أكثر من مرتين متتاليتين كل منهما أربعة أعوام (تم تعديل الدستور عام 2009 لتصبح مدة الحكم ست سنوات بدلا من أربع).

وبوتين الذي وجد الحل في الاتفاق مع ميدفيديف ضمن الاستراحة في رئاسة الوزراء أربع سنوات، فكان ميدفيديف “محلَّلا”، على الطريقة الإسلامية حين يستنفد المسلم فُرص طلاق زوجته الثلاث.

ما حصل يعني أن العائلة نفسها تحكم، دون رابط عائلي، لكن بشبهة مافيوية حداثوية تفترق عن الطريقة الإيطالية في صقلية أو نيويورك، وتتفق مع الطريقة الروسية الموروثة من الحزب الشيوعي السوفييتي، فنحن هنا أيضا في بلد الحزب الواحد الحاكم إلى أبد غير قليل.

أما مارين لوبان فورثت الحزب عن أبيها جان ماري لوبان، العسكري السابق زمن حرب التحرير في الجزائر، حيث فقد إحدى عينيه، الأمر الذي جعله يحقد على المهاجرين وخاصة القادمين من الجزائر.

“البنت سرّ أبيها” ولذلك أطلقت برنامجها الانتخابي مبكرا “تغيير هوية فرنسا، لا رعاية صحية مجانية للأجانب، ولا مكان لاتفاقية شنغن، وسنغادر الاتحاد الأوروبي، والقرم روسية”.

لكن قبل فوز ترامب برئاسة أميركا، لم يكن لهذا اليمين أن يعلن طموحاته القاتلة بهذه الطريقة الكونية، فالأحزاب اليمينية كانت تكتفي بطموحاتها المحلية فقط. هنا ربما كان “البريكست” البريطاني مصادفة مقصودة قبل الصعود المفاجئ لترامب.

ترامب يعتقد أن علاقته الطيّبة مع بوتين ستخدم الأمن الأميركي، وأن رفع العقوبات عن روسيا ستقدم روسيا مقابله تنازلا لخفض مستوى التسلح النووي! بهذه البساطة يفسر الرجل مستقبل علاقة قطبي الحرب الباردة.

وكأن ما يُقلق الأميركيين هو التخلص من جزء من أسلحة الكرملين، تماما مثل “تنازل” النظام الأسدي عن أسلحته الكيميائية، التي استخدم ما تبقى منها بعد يونيو 2014 مرات أكثر مما قبل نزع هذا السلاح.

ولأن العالم، الأوروبي خاصة، مهيّأ لصعود اليمين الفرنسي، فإن وعود مارين لوبان قد تتحقق، حتى دون مساعدة من قراصنة بوتين الإلكترونيين، الذين تسللوا إلى بريد هيلاري كلينتون، إن صحّ أن هذه الحادثة كانت حاسمة في فوز ترامب.

تكتيك تصريحات لوبان يشبه إلى حد التطابق صراخ ترامب خلال سباقه مع مرشحي حزبه للفوز ببطاقة الترشيح، من العداء للمهاجرين واللاجئين والمسلمين. لكنها أضافت إلى ذلك عنصر الخوف من الإرهاب الذي يضرب أوروبا وفرنسا خاصة، واعدة بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وضبط الحدود لمنع تسلل الإرهابيين.

وإذا كانت مسوغات فوز ترامب تستند إلى فشل سياسات باراك أوباما الديمقراطي في المحافظة على مكانة أميركا في العالم، وعلى عدم النجاح تماما في إخراج أميركا من الأزمة المالية عام 2008، فإن احتمال أن تكون لوبان أول امرأة تحكم فرنسا سيكون من باب الخوف من الإرهاب، مستفيدة من عدم وجود مرشح قوي منافس من اليمين ويمين الوسط، بعد أن ساهم الرئيس الحالي فرنسوا هولاند، في تقليل حظوظ الحزب الاشتراكي في التنافس على الرئاسة.

لحسن الحظ أن المنافسة ستكون بين يمين الوسط، واليمين العنصري، اللاعبان على وتر الإسلاموفوبيا والخوف من المهاجرين، وهذه قد تكون المرجحة لفوز الرئيس المقبل، أو الرئيسة المقبلة، على خلاف ما يطرحه الحزب الاشتراكي.

والتوقعات تعطي يمين الوسط أفضلية في استطلاعات الرأي تصل إلى 71 بالمئة لمرشح يمين الوسط فرنسوا فيون، مقابل 29 بالمئة لمرشحة اليمين مارين لوبان.

لكن كلينتون كانت تتفوق على ترامب في معظم استطلاعات الرأي خلال شهور، كما تفوقت عليه في المناظرات الثلاث، بينما فاز الرجل بأصوات المجمع الانتخابي الذي تشبه قوانينه قوانين القمار في كازينوهات لاس فيغاس، حيث يفوز من يفوز بكل ما على الطاولة من قطع، وليس بشكل نسبي.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات