كانت مناقشة أطروحة الشهيد محمد الزواري فرصة أخرى استثمرتُها لمواصلة نقاش بدأتُه مع أهل العلوم الصحيحة و التطبيقية من باحثين و خبراء و مخترعين . تأكد لي باستمرار الحجم الرائد للذكاء التونسي في مجال البحث و الابداع و اكتشفتُ أن جامعة صفاقس حاضرا و ماضيا بطبيعة الحال مرآة و مشتلة ثرية لشباب و كهول و شيوخ من العلماء و المبدعين و قد كانت اضافة الشهيد اليوم انجازا علميا آخر للمدرسة الوطنية للمهندسين و لعدد من المنارات العلمية في صفاقس التي تعج بكفاءات يمكن أن تكون دعامة في خطة رائدة لبناء اقتصادنا الوطني و تنميتنا المستقلة على قاعدة البحث العلمي الذي يتقدم فيه علماؤنا بشكل مثير للفخر.
في حديثي مع عدد من الباحثين و العلماء صححتُ بعض الأحكام السياسوية المسبقة و اكتشفتُ أنه بالرغم من الحصار و الرقابة "الاستعمارية" على البحث و الابداع العلمي في المجالات الاستراتيجية فان التحولات التي أتاحتها العولمة و ولادة عالم متعدد الأقطاب تتيح لنا اليوم امكانية المغامرة الشجاعة لاستثمار قدرات عقولنا في الاستقلال و الجرأة البحثية و تمكين الباحثين من الذهاب بعيدا في اقتحام عتبات الابداع المحرم علينا كمدخل لبناء اقتصادنا الوطني و تنميتنا المستقلة .
تأكد لي بإقرار العارفين من أهل الميدان بأن مسألة "الفجوة العلمية " بيننا و بين "الآخرين" مجرد وهم و عقدة نقص و ليست قدرا و لا حقيقة اصلا . المشكل هو نجاح "المستعمر" في ضمان "طبقة سياسية" تابعة لن تملك الجرأة على بناء مشاريع تنمية وطنية تستفيد فيها من طاقات علمائنا و مخترعينا و تتشجع فيها على فك الارتباط و تنويع الشراكة مع دول الأطراف الصاعدة في شرق آسيا و امريكا اللاتينية التي حققت الاختراق العلمي و التنموي و استفادت من طاقات أبنائها رغم أنف "المركز الغربي" .
من جهة أخرى وقفتُ على "عمالة و تبعية أخرى" من نوع أخطر و هي "خيانة رأس المال" اذ يؤكد باحثون و علماء و مخترعون تونسيون أن "الغرب الاستعماري"مظلوم أحيانا فهو لا يفرض علينا في الحقيقة كل شيء و لكن استعداد وكلائه التونسيين لخدمته هو اصل البلاء .
هناك بضائع في مجالات صناعية و فلاحية يمكن انتاجها بعقول و سواعد تونسية لو قرر ذات يوم "رأس المال التونسي" أن يكف عن أن يكون مجرد وكيل و وسيط لانتاجات "الآخرين" و منح الباحث التونسي فرصة "الانتاج الوطني للحاجة" و لكن الرغبة في هامش سريع و مرتفع للربح)التوريد هو المربح و التصنيع الوطني وجع دماغ( هو الذي يجعل البلاد سوقا لاختراعات الآخرين .اننا أمام"رأس مال" جشع و لا وطني و عميل.
حين تصبح لنا طبقة سياسية وطنية و رجال مال وطني يصبح الحلم ممكنا كي تكون تونس "آسيا العرب".