التفت يمينا، أدار رأسه إلى الوراء، المشهد لم يفارق عينيه. تظاهر بأنه مازال في نومه و أنّ مارآه مجرّد حلم أسود.
تتابعت خطواته إلى الأمام، أراد أن يعود و لكنّ بشاعة الخربشات على الحائط جعلته يسرّع في الخطى.
ماهذا؟ لماذا يخربش المتعلّمون على جدران المدارس مثل تلك التشوّهات؟ أسعفته ذاكرته بلفظ قبيح مشدود إلى حروفه بحماقة العجرفة. ألفاظ نابية مهينة على جدار مدرسة. تلك بداية النهاية لمدرسة الشّعب.
لم يعرف أين يذهب؟ و لم يدر إلى من يشكو؟ فالكل لا يهمّهم أن تدنّس حرمة المدرسة. و ما المزعج أن يخربش متعلّمون على الحيطان خيالات لكلمات ليس لها من مرجعية غير التّعدّي على الحياء الّذي لم يعد قيمة في هذا البلد؟
وهو يمشي تذكّر ذلك البيت" إنما الأمم الأخلاق..." فخرجت من صدره زفرة قوية : سحقا لزمن جعل المدرسة محلّ سخرية و تعدّ علىها.
الأخلاق كم هي قديمة و فاقدة لكلّ معنى. الأخلاق أصبحت تهمة يتقاذفها السّفلة من البشر. لا أخلاق في الاسرة و لا أخلاق في الشّارع و لا أخلاق في المدرسة. و ماذا نفعل بها الأخلاق؟
ليست قابلة للصرف في أي برنامج تربوي الّذي وضع أهدافه على تحنيط كلّ سلوك قويم و كلام جميل و علاقة رفيعة. الحظّ هو المقابل للأخلاق. انتظر ضربة حظّ سواء كانت بأخلاق أو دونها فالمال سيجعل الفئران البشرية تجمّل كلّ سوء لفظ و فظيع السلوك.
جدار المدرسة الملوّث بقاذورات الألفاظ القبيحة و الصّور الشّنيعة أضحى عنوانا بارزا لفشل مدرسة الشّعب في تحقيق رفعة الأدب و وقار السّلوك. هي مدرسة فقدت الكثير حتى أضحى مشهد الأوساخ اللفظية لا يثير الرّعب.
صدقا أقول لهم لقد نجحتم أن تسقطوا فلك المدرسة العلوي إلى سفالة السّوقي الرّكيك و الهمجي القميء. كم أحتقرهم - و لا أستثني أحدا من العاثر الثرثار إلى الوصولي المهذار كلهم قد جعلوا بذور سقوط المدرسة تينع و تتطاول في كل شبر من هذا الوطن المغدور به. كلنا للأسف- بالصّمت القاتل -ندنّس أشرف ما صنعته كرامة الإنسان.
مسح ذاكرة عقله بكمّ قميصه، وعاد ينظر إلى تلك الصّور كأنها آيات بديعة لرسوم "دافنشي العظيم. هكذا علّمته الفنون أن يقدر على تغيير عالمه الخاص بأشيائه الجميلة و يترك الحال فهو أضعف الإيمان. و عاد الجدار كأنه موناليزا الجمال. فلم يعد يرى سواه في ذلك المكان.