والكاتبين بسمر الخطّ ما تركت أقلامهم حرف جسم غير منعجم

Photo

هذا مقال ردّ على صديق يطعن في محي الدين أبن عربي ومشايخ التصوّف وينكّر على التصوّف ويجهل معنى الحقيقة المحمديّة ويستهزئ بأرباب الأحوال ساخرا منكّرا مستهزئا. بسم الله الرّحمان الرحيم والصلاة والسلام على رسوله المصطفى المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وسلّم.

أراك صديقي قد تكلمت وتحدثت عن الحقيقة المحمدية وأراك تجهلها حقيقة وتعلمها رسما وترفضها فكرا ولا تتمعنها ذوقا لقد أدعيت على أبن عربي وجعلته من الملبّسين على أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فأسألك " هل ثبت عندك بالطريق المقبول في نقل الأخبار انه قال ما قلت وادعيت عليه ؟وأنه قصد بها معناها المتعارف؟

فإني أعتقد أنك على طريقة الفقهاء الذين يسارعون إلى الإنكار على الصوفية جهلا مقتا وحسدا ,أدعوك إلى فهم الطريقة على وجهها والبحث مجردا عن هواك ونفسك وطبعك وشيطانك وعقلك الحسّي فهم حجبك للذوق و المعرفة وكشف الحقيقة.فلا تنكر على أهل الله فضل الله عليهم , وأخالك وإن قرأت فإنك تقرأ ما في عقلك أنت لا من نور يهتدي به , لذلك يملؤك الشّك كلما قرأت ويصاحبك الإنكار....

يقول الإمام علي أبن أبي طالب كرّم الله وجهه"هلك من أدعى وخاب من افترى وكفى بالمرء جهلا ألا يعرف قدره ,ومن لا ينفعه الحقّ يضرّه الباطل ومن لا يستقيم به الهدى يجرّ به الظلال إلى الرّدى" .يقول الشيخ الأكبر محي الدين محمد بن علي بن محمد بن احمد أبن عربي الحاتمي الطائي"الحمد لله الحيّ القيّوم المقسم بمواقع النجوم واهب الحكم الربانية أسرار الأرواح في غيابات الجسوم من الحضرات العلى إلى تحت النجوم .فيّاض النور الفاضل بين أهل الهمم والرسوم مؤتى الحكمة من يشاء من عباده لا بشرط معلوم ولا بحدّ مرسوم بل رزق مقسوم وخاصة يؤتيها من يشاء وهو العليم الحكيم.والصلاة على الدرّة البيضاء والزبر جدة الخضراء والنور الأبهر والضياء الأزهر الإمام الأظهر صاحب الثوب الأطهر الإكسير الأكبر والكبريت الأحمر محمد أبن عبد الله النبي المصطفى المعصوم المعطى لواء الخلافة والتقديم قبل إيجاد الكون والتقسيم المقام العظيم في حضرة القديم حتى برز في عالم التخطيط والتجسيم بأسرار التعذيب والتنعيم,فعاش بموجده العلى العظيم ,إلى أجله المسمى دون خليل ولا حميم , ثم كرّ راجعا من عالم التركيب والتجسيم,من غير مفارقة لموجده الكريم ,وترك لواء الإمامة شورى بين أهل الأسرار والتّفهيم ,فما زال يتلقاه كلّ ذي حسب إلهيّ حميم,من كل ذي شرف إحاطي عميم ,حتى ينتهي إلى الختم المعلوم والجامع بين النبوّة والولاية الموسوم ,الخاتم أيضا لدورة الفلك الترابي المضاهي ذات الأب المجتبى المرحوم (صل الله عليه) وعليهم وعلى آله أفضل صلاة وسلّم أعمّ تسليم…

هذا نزر قليل مما قاله أبن عربي حتى لا يشوّه حاله جاهلا ولا يطمس معالمه حاسدا مبغضا لمقامه أو مندسا ملحدا يبغي الشرّ يحرّف الكلام عن مواضعه ويبث الدسائس ليطمس المعالم ويحيد بأمتنا عن مسارها وعن مناراتها لكي نظل جسدا بلا روح رسما بدون معنى ليضحى إيماننا خرقة بالية .مع علمي التام بأنه "من جهل علم قوم عاداهم وقد تنكر العين ضوء الشّمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم"....

يقول الشيخ عبد القادر الجيلاني الذي المّ بعلوم الشريعة والطريقة واللّغة والأدب حتى بلغ شأوا بعيدا,فكان إمام الحنابلة وشيخهم في عصره وأظهر الله تعالى الحكمة من قلبه على لسانه في مجالس الوعظ يقول "ويحك نفسك.......كيف تقعد معها خالفها ولا توافقها قيّدها ولا تطلقها أسجنها واجر عليها حقها الذي لا بد لها منه ,أقمعها بالمجاهدات وأما الهوى فاركبه ولا تخله يركبك والطبع فلا تصحبه ,فإنه طفل صغير لا عقل له كيف تتعلم من طفل صغير وتقبل منه والشيطان فهو عدوّك وعدو أبيك آدم عليه السلام كيف تسكن إليه وتقبل منه وبينك وبينه دم وعداوة قديمة , لا تأمن منه فإنه قاتل أبيك وأمك ,فإذا تمكن منك قتلك كما قتلهما ,أجعل التقوى سلاحك , والتوحيد لله عزّ وجلّ والمراقبة له والورع في الخلوات والصدق والاستعانة بالله عزّ وجلّ جندك ,فهذا السلاح وهذا الجند هم الذّين يهزمونه ويهدمونه ويكسرون جيشه كيف لا تهزمه والحق معاك ؟""وإذا تبت فليتب ظاهرك وباطنك والتوبة قلب دولة ,أخلع ثياب المعاصي بالتوبة الخالصة ,والحياء من الله عزّ وجلّ حقيقة لا مجازا"من كتاب الفتح الرباني.....

أخيرا صديقي وليس آخرا هاته لطائف من كنوز تراثنا ومن نجوم هداية من رجال صالحين حاباهم الله بالهداية والرعاية والعناية والولاية فأين نحن من هؤلاء لنكابر ونطعن وننتقد ما لا نفقه ونجهل حقيقة أحوالهم ومقاماتهم وكل ذلك من الهوس ومرض القلب وفساد الطبع و رعونة النفس .فالنفس كلها مخالفة منازعة ولا تعرف دسائسها ومكائدها إلا إذا جاهدتها تنكشف حينئذ رعونتها وحماقاتها فمن أراد صلاحها فليجاهدها حتى يأمن شرّها .

ومن لم يستسغ الحقيقة المحمديّة فليحذر الشّبهة الشيطانية لأن إبليس شيخ عارف عاطل يلبّسّ على العابدين والعلماء والزهّاد حتى يحسبون أنهم يحسنون صنعا ولولا الله الصمد لما صمد لإبليس عابد وحتى لا نطمس بصريتنا ببصرنا ونلوّث عقلنا بوهمنا وعلمنا بجهلنا فترحل بركة العلم وتبقى محنته . ولقد ضمّنت لك العبارة مع الإشارة ولست هنا للمجادلة فالطريقة هي التي تحيلك للحقيقة ومن أراد المشاهدة فعليه بالمجاهدة ولكن لك قوالب جاهزة أنت بذات نفسك لا تفقهها يقينا وذلك ليس تجنّي عليك وأرجو لك ولنفسي الهداية والتوفيق ولكن أراك تتجنّى وذلك لسوء فهم وعدم الإلمام ودراية تقتطع من هنا وهناك وتسارع نفسك للخلاف .

لماذا لا تسعى لتسليك نفسك ؟عوضا عن امتهان المجادلة والطعن في علماء ورثة النبي سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم معلم الإنسانية الخير ومنقذها من ضلالها ,أرجو ان يكون شفيعي يوم القيامة فقد قصّر بي عملي وأرجو رحمة ربي ولا أزكّي نفسي إذ أنّ النفس لأمارة بالسّوء إلا ما رحم ربي والعاقل لا يرضى عن نفسه ولا يأمنها وإني اسعي ما أمكن وبتوفيق من الله لمجاهدتها وإصلاحها ما أمكن لذلك سبيلا , فكيف لي أن أخاصم واركب صهوة حصان الطعن والتنكير والتلبيس فان لحوم العلماء مسمومة ومن لم يتعلّم ويحسن الاستماع فستعلمه الأحداث والفتن والبلايا .

وما يجدي نفعا رأيا لا يطاع وقد بصّرت إن أبصرت وهديت إن اهتديت وأسمعت إن سمعت , ولكن الغير والسّوى حجابك عن نفسك واراك مولع بالجدل دون فصل الخطاب فنفسك حجابك عن ربك,والنفس بطبعها دون تخصيص ميّالة للعناد والمخالفة ودسائسها كثيرة وحجبها أكثر.ففي الإنسان من الصفات والغرائز المتضاربة ما تجعله مجمع الأضداد ومثال التناقض وصفه الإمام علي أبن أبي طالب كرّم الله وجهه قائلا "إن سنح له الرجاء أذلّه الطمع وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص وإن ملكه اليأس قتله الأسف وإن عرض له الغضب إشتدّ به الغيظ وإن أسعده الرضا نسي التحفّظ وإن ناله الخوف شغله الحذر وإن إتسع له الأمن إستلبته الغيرة وإن أفاد مالا أطغاه الغنى وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع وإن عضّته الفاقة شغله البلاء وإن جهده الجوع قعد به الضعف وإن أفرط به الشبع كظّته البطنة فكل تقصير به مضرّ وكل إفراط له مفسد" ف "من لي بردّ جماح من غوايتها كما يردّ جماح الخيل باللّجم فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها إنّ الطعام يقوي شهوة النّهم"كما قال الإمام البوصيري. التصوّف مدرسة للخير, لتربية النفس وتزكيتها .فالتصوّف ثمرة العبادة او زبدة العمل بالشريعة ,في بدايته كان عبارة عن زهد وعبادة فائقة لله تعالى وحده .

وقد وصف الهجويري المفكر الإسلامي التّصوف بأنه هو الميل بالإنسان عن العالم المادي والارتفاع به إلى العالم الروحي وقد ذكر المؤرخ الإسلامي حاجي خليفة إن هناك طريقتين رئيسيتين أتبعهما هؤلاء الذين ساروا في هذا الطريق لتحقيق أهدافهم : - إحداهما طريقة أهل النظر والاستدلال وهم الفلاسفة سواء كانوا إسلاميين أم غير إسلاميين -ثانيهما طريقة أهل الرياضة والمجاهدات (الصوفية الدينين من أمثال الغزالي والجنيد وغيرهما)

الطريقة الأولى : النظرية تستخدم النظر والتأمل الفلسفي وقد سميت بالإشراق أو التصوف الفلسفي .

الطريقة الثانية : هي عملية تستخدم الرياضات والمجاهدات ومنها التصوف الإسلامي وأصبح كذلك علما من العلوم الشرعية الحادثة في الملة واصله ،إن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عن سلف الأمة.

وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقة الحق والهداية والتصوف الإسلامي وان كان تصوفا عمليا إلا انه له طابعا خاصا فهو مرتبط بأصول الشريعة بعيدا عن الرياضات العنيفة والتصرفات الشاذة فهو تصوف يقوم على أساس الدين الإسلامي بشقيه الكتاب والسنة ومن أهم مميزاته التوحيد ثم التقشف والزهد والابتعاد عن المحرمات بجميعها مع حسن العبادة والسير في الطريق المستقيم وكل هذه الصفات مترابطة متكاملة اعلم هداك الله للخير والحق وخلّصك من رعونة النفس وشقوتها, ان التصوّف مدرسة تربية وسلوك مبنية على الكتاب والسنة وسلامة الصدور وسخاء اليد وبذل النّدى وكف الجفا وحمل الأذى والصّفح عن عثرات الإخوان ولتعلم: انه من لم يزدد بعلمه وعمله افتقارا إلى ربه وتواضعا لخلقه فهو هالك هذا ما قاله الإمام أبي الحسن الشاذلي وقال أيضاً "لا تركن إلى علم ولا مدد وكن بالله واحذر ان تنشر علمك ليصدقك الناس وأنشر علمك ليصدقك الله تعالى ...ان العلوم الظاهرة مهما بلغت بها الدقة ومهما بلغ بها العمق لا تفضي بالنفوس الطموحة إلى الكفّ عن التطلّع نحو عالم الغيب وإستشراف آلائه وأنواره _كتاب التصوف الإسلامي الدكتور محسن سلطان _ كتاب مواقع النجوم ومطالع أهلّة الأسرار والعلوم محي الدين إبن عربي _كتاب الفتح الربّاني وكتاب الفيوضات الربانيّة للشيخ عبد القادر الجيلاني.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات