العنف الأسود.

Photo

محراب مدنّس

قرأت خبرا عن اعتداء متعلّمين على مدرّسهم، و هو حدث أضحى " عادي" بلغة أهل التباكي على صورة المربّي السّابقة. و انزعج صاحبه من سوء قرار مجلس التربية، و كأنّ طول المدّة أو الرّفت النهائي سيرجعان هيبة الميدعة البيضاء أو ترفعان قدر صاحب الطبشور أو تشيران إلى نبل رسالة زالت عنها كل قداسة.

عنف و يتلوه عنف

العنف في مدارسنا لم يعد عتبة لا يمكن تجاوزها؛ بل أصبح مرتكبو تلك الفعائل يتبجّحون بها، و يجدون التبرير تلو التغطية و التعمية قصد الإفلات من عقاب لا يغني و لا يسمن في مدرسة كلّ ما يشدّها جرس النهاية. مدرستنا متاهة الفلتان، فكلّ سقف قسم يخفي فجائع، و كلّ باب يتستّر على حقائق لو سمعها بنو الطرشان لنطقوا من هول ما يحدث فيها من رغاء و صفير و ما لا يحسن رسمه بالقلم.

المدرّس فوق العادة

لا أحد يصدع بالحقائق المرعبة، فمدرستنا التي طرّزها بنو الخطيئة لا تشوبها شائبة، وهي منزوعة الدّنس، و تلفها ملائكة الشّيطان ببركات التّدمير البطيء، فالمدرّس عليه أن يتحمّل عقوق الوالدين و تصدّع الرّوابط الأسرية وهو مجبول بحكم وظيفته على ردم سوء التربية في رحابة مكارم أخلاقه. مدرّسنا طالبناه أن يكون جرّاحا لعلل اجتماعية فيستأصل أورام الخبث البشري و مفاسد السلوك المرضي.

إلى من نشكو ؟

هل نشكو سوء التربية إلى العائلة؟ هل نرفع السّؤال إلى ربّ أسرة لم يبق له من جاه إلاّ البقاء في مقهى أطراف الليل و بقايا النهار؟ هل نتوجّه بالبحث عن أمّ تتابع حكايا مسلسلات ما عرفت أنها قد تكون في يوم ما أحدا ضحاياها؟ هل نشكو همومنا إلى مدرّس يعاني سوء الرّاتب و صولة صاحب المنزل و دنس العلاقات الرتيبة المملة؟

العنف مارد

ما لا يخفى أنّ الشّعوب مهما عظم شأنها أو صغر فإنّها تصاب بأمراض لعل سوء أخلاقها هو أشدّ النزلات الوافدة التي تقتل جسم الأحياء و تهلك عقولهم التائقة إلى الانفلات من سيطرة الرّوابط القائمة على الاحترام و التعايش. العنف هو مارد سيفتك بمدارسنا و يتعدّاها إلى شوراعنا وقد يصل حدّ التقاتل الأعمى.

ليس الاعتداء على المربّي إلاّ جربوع ألبار كاموAlbert Camus الّذي كان علامة على انتشار طاعون العبثية العمياء. لن نقول صبرا فالعنف لا ينتظر مسكّنات بل علاجا استئصاليا بالبحث عن المتسبّبين في انتشاره و استفحاله. فالخير في البشر طبع سمح، و لكن من يزرع بذور الشّر و الهزيمة في لفائف ورقية يحصد الشّعب أوجاعا تهدّد كيانه.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات