بعض أزمة الثّقافة و السّياسة عند اليسار في تونس الجديدة : عتاب محبّ .

Photo

منذ سنوات عديدة تخلّيت نهائيّا عن الماركسية بكلّ تفريعاتها وأصبحت أعتبر انّه من الضروري تجاوزها ايجابيا هي و الفوضوية و المجالسية و غيرها من التحاليل اليسارية في اتجاه أفق اشتراكي ديمقراطي أنسني جديد ليس مطلوبا منه أصلا أن يكون محكم الضّبط ايديولوجيا بل عليه أن يبقى منفتحا على اليسار المتعدّد بكافة تياراته من ناحية وأن تتمّ تبيئته تونسيا و عربيا وفق خصوصيات البلاد و الوطن العربي و هنا تكمن أحدى مظاهرأزمة اليسار التونسي و العربي الأساسية ولكنّها ليست الوحيدة. و مع هذا سأطرح أسئلة على اليسار التونسي كما هو أو كما يرى نفسه بقطع النظر عن موقفي منه.

كثيرا ما ردّد اليساريون الكلاسيكيون التونسيون مثل غيرهم من يساريي العالم كونهم "الورثة الشرعيون لخير ما أبدعته الثقافة الانسانيّة ". ولكن عذرا رفاقي وأصدقائي في تونس . فعندما أقارن مثلا بين ما كتبه مثقفو و زعماء الثورة الروسية ) اذا تحججتم بخصوصية روسيا و عبقرية قادتها يمكن أن أذكر بلدانا أخرى بما فيها بلدان عربية مثل لبنان و مصر…) بتيّاراتهم المختلفة أثناء سنوات ثورة 1905 من مجلّدات عديدة - للواحد منهم بمفرده أحيانا - و بين اكتفاء مثقفينا ومناضلينا بالنزول الى الشارع و بأحاديث المقهى و الحانة و التلفزة و فايسبوك الى درجة انّ زعماء و أحزاب و جبهات بكاملها لا تفعل سوى الاكتفاء ببيانات - لا تتجاوز الصفحة اليتيمة في كل منعطف من منعطفات تاريخ تونس منذ 2010/2011 - و برامج - ان كانت لها برامج- لا تتجاوز حجم الكراريس و جرائد -ان كانت لها جرائد- لا تختلف كثيرا عن الجرائد التجارية من جيث عمق المحتوى …

أقول في نفسي : المناضلون و القادة يعملون بصدق و حماس - ولكن بعفوية ثورية وارتجالية تنظيمية أحيانا كثيرة- و يخطبون - يحرّضون و يشهّرون - ولكن القادة لا يفكّرون و لا ينظّرون . فلا حركة فكرية ثقافية تتقدّم و لا دعاية سياسية رصينة كذلك - وهم الذين ، و يا للمفارقة، يكرّرون على مسامعنا دائما كونه 'لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية ' ولكنّ أتباعهم - باسم مناهضة الثقفوت - أصبحت لهم حساسية من النظرية و اكتفوا بشعار "خطوة عملية واحدة أهم مائة مرّة من حزمة من الكراريس' و كأنّهم أصبحوا من أنصار 'الحركة كل شيء و الهدف لا شيء'. --- فلنتساءل بصراحة :


-1-أين رواياتنا و قصصنا و مسرحياتنا و كتبنا الفلسفية و الاجتماعية و الانسانية الدّسمة الجديدة ؟ - لا شيء يذكر تقريبا.

-2-ماذا كتبنا من نظري دسم جديد حول تفسيرالعولمة و مكاننا ضمنها و كيفية التعامل معها؟ - لا شيء يذكر تقريبا.

-3-ماذا كتبنا من نظري دسم جديد حول تفسير ما وقع في تونس ان كان انقلابا أو انتفاضة أو ثورة ؟ -لا شيء تقريبا.

-4-ماذا كتبنا من نظري دسم جديد حول المسائل الوطنية و القومية و الصناعية و الزراعية و الثقافية و الدينية و التعليمية و التنظيمية و غيرها ؟ -لا شيء تقريبا.

-5-ماذا كتبنا من نظري دسم جديد حول مراحل سير الأحداث منذ 2010 الى اليوم و حول تقييم التكتيكات و التحالفات و غيرها؟ -لا شيء تقريبا.

-6- طيّب، بم سيتسلّح المناضل العادي و هو يتصل بعموم الشعب اذا كان المثقفون لم ينتجوا شيئا تقريبا ؟

-7- اعطوني مثقفا يساريّا تونسيا واحدا أو زعيما سياسيا يساريّا تونسيا واحد ذاع سيطه في تونس - و لا أحكي عن الخارج- بسبب كتاب أصدره منذ 2010.

-8- اعطوني تنظيما سياسيّا تونسيا واحدا يقول عن نفسه انّه ثوري يجيد ربط علاقات مع الأكاديميين التونسيين الذين يوجد من بينهم الكثير من القادرين على افادة البلد فعلا ولكنهم يهمّشون عمدا . مع الأسف.

وكأنني بالتنظيمات السياسية اليساريّة تتجنّب الثقافة كما يتجنّب المجرم مكان جريمته. و كأن المثقف و المناضل اليساري أصبح امّا عاجزا عن التفكير و التأليف بسبب الجري وراء الحركة . أو هو لا يكتب حتى 'لا يمسك من لسانه/ قلمه' . أو يكتب قليلا - أنا لا أعرف - و لكنه يوزع ذلك على الأخيار من المطهّرين من حلقته أو حزبه فقط فتبقى كتابته -ان وجدت - مثل 'كتاب الحكمة' الدّرزي المكتوم حتى عن غالبية الأتباع و الأنصار تقريبا. والنتيجة : يبدو ان فهم / فعل مثقفنا/ مناضلنا الثوري لا يرقى حتى الى مستوى طلبة 'الثورة الثقافية الصينية' و كراريسها الماويّة و لا الى مستوى طلبة ثورة ماي 68 في فرنسا و شعاراتها الشوارعية.

لقد طرحت الأسئلة على اليسار الثوري كما يرى هو نفسه أمّا أنا فأعتبر نفسي يساريا ولكن لست من هذا اليسارالكلاسيكي. و رغم انني أختلف معه إلا ان أمره يهمّني من منظور يساري منفتح وتعدّد ي. في المقابل - و هذا من حقّهم و لم يعد يهمّني غمزهم و همزهم اصلا - أعرف انّ عددا من مناضلي اليسار يعتبرونني انتهازيا و اصلاحيّا لأنّي أعتبر نفسي اشتراكيا ديقراطيا لا غير .
ولكن بربّكم :

-1- أ نتجوا على الأقلّ فكرا وثقافة يساريين كلاسيكيين ان استطعتم حتى يتمّ التفاعل معكم و حتى يتزوّد أنصاركم بما يفوق الشعارات و بيّنوا نظريّا كيف انّ غيركم 'غير يساريين' ان أردتم.

-2- حاولوا الاطّلاع على آخر ما أنتجه الفكر اليساري غير الكلاسيكي و استفيدوا منه و شجّعوا أنصاركم على ذلك.

-3- كفّوا عن الاساءة الى بعضكم البعض و الى غيركم من اليساريين و التقدّميين و اقتربوا من الديمقراطيين الاجتماعيين و كفّوا عن المزايدة الثورية باسم نقاء ايديولوجي زعماؤكم هم أوّل من يتنكّر له و لا يعي أو لا يعترف .

يكفيني أن أقول لكم ما يلي مثلا : أغلب زعمائكم الثوريين هم في حماية الأمن التونسي )الأمن الرئاسي أو فرق حماية الشخصيات و مقاومة الارهاب ) الذي يأتمر بأوامر السلطة التونسية غير اليسارية منذ 2011 و أنتم تريدون استكمال مهام الثورة كلاسيكيّا وتغيير النظام بكامله كلاسيكيا وفق فهم قديم لمسألتي ' الدّولة و الثورة' وكلّ من يحدّثكم عن ضرورة التفكير بأسلوب جديد و الفعل بطريقة سياسية يسارية جديدة تردّونه انتهازيا و اصلاحيا و خائنا للتعاليم الثورية !

بربّكم ، هل كان لينين أو تروتسكس أو ستالين أو ماوتسي تونغ أو أنور خوجة أو جيفارا… في حماية الأمن الرّسمي لدولته؟ لم التّطاوس على غيركم اذن؟ ) بالله لا تقولوا لأنفسكم أو لي بغباء :هل تريد أن يقتلوا حتى تصدّق انّهم ثوّار؟ و لعلمكم بعضهم رفاقي و أصدقائي الشخصيين الحميمين منذ عشرات السنين و الى اليوم وسيبقون كذلك الى الموت.)

-4- يقال " الكثرة تغلب الضعف " . فأسسوا حلقات فكرية اذا كان الأفراد عاجزين عن التنظير أو لم يجدوا الوقت للقيام به و خفّفوا عنهم الضغط و الصراعات التّافهة التي تستنزف خير ما فيهم. و أحدثوا مواقع الكترونية اذا كان الفقر -الذي لم يمنعكم يوما من الاسراف في تناول جيّد الخمر - يمنعكم من اصدار مجلاّت ورقية و غيرها .

- و يقال " الشجاعة تغلب القوة ". فتغلّبوا بشجاعة النزاهة المعرفية و السياسية على قوّة خشب الايديولوجيا في الرأس و انحسار الحضور وسط الشعب قبل أن تتحنّطوا فتنقرضوا. --- حسبي وأنا أنقد التذكير بالقول الفرنسي : 'من يحبّ جيّدا يعاقب جيّدا'. من لا يصدّق ذلك فليتجاهل صمتا أو فليشتم أو حتّى فليقاطع . لم يعد يهمّني و أكاد أفقد الأمل أصلا لولا بقيّة عناد وجودي تقريبا. افعلوا أيّ شيء لأنفسكم و لا تتحوّلوا الى أهل كهف جديد .و ساهموا في مساعدة الآلاف من المناضلين و عموم الشعب على زرع الأمل فان الاحباط و التشاؤم يكادان يأتيان على الأخضر و اليابس .

وأخشى ما أخشاه هو: “ قد أسمعت لو ناديت حيّا…“

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات