جميع "الأقليات" التي وقع اضطهادها في تاريخ البشرية لمّا تأخذ الكلمة لتسرد حكايتها تأخذ زاوية التظلّم فتُقدّم نفسها في صورة المُضطهد الضعيف الذي لا حول له ولا قوّة ... وتستعمل خطاب مؤثّر ليتعاطف معها المُستمع.
لكن الحقيقة لها وجوه مُتعدّدة وحقّ الإعتراف لا يكون بالظهور في هذا الوضع إلّي "يسخّف" والكرامة لا تُستعاد بهذه الجلسات العلنية المُسيّسة )حتى لا أقول أصبحت مُهينة.( البوليس والكلاب التي نهشت الأجساد والأعراض تتفرّج دون أن يرعش لها طرف لأنها تعلم أنّها جلسات للتفريغ والتخفيف من الإحتقان.
الوجه الآخر للحقيقة أنّه كانت هناك مُواجهة على الميدان بين نظام مُستبدّ وفاسد اغتال وسجن وغدر ونكّل، وأبطال خاضوا معركتهم بشجاعة فائقة النظير بصدور عارية ووُجوه مكشوفة، بعضهم قضى نحبه وهو يُقاوم الجنرال بن علي وبوليسه وكلابه وزباينته... وبعضهم الآخر نصفه فرّ هاربا من هول المحرقة ونصفه تصهّد وترمّد وظلّ واقفا.
لو كان عثمان بن محمود وأحمد العمري وطارق الزيتوني ورفاقهم... اليوم معنا لسردوا الحكاية من زاوية أخرى: زاوية الأبطال. ممارسة المُقاومة والنضال والكرامة حكاية لا تُسرد هكذا على قارعة الإعلام.
تنقصنا الشجاعة لنحكي تفاصيل الحكاية … تنقصنا "المروءة" لنتحمّل مسئولية أفعالنا وتنقصنا "الرجولية" لنقول أنّنا واجهنا ترسانة بن علي بشوكة وسكّين ودبوسة مولوتوف ومسّاك بو رأس.
كانت هناك معركة غير مُتكافئة ومُواجهة غير محسوبة العواقب. والتاريخ في ظاهره سرد لوقائع وفي باطنه تحقيق وبحث.
يوم الحساب كلّ واحد يأتي وكتابه بيمينه.