اعتذر؛ ولكن لم يجهش بالبكاء

Photo

صعّد الطّرف الاجتماعي للتربية سقف الطّلب إلى رأس إدارة الإشراف. وهو طلب لاقى تأييدا كبيرا من عموم المدرّسين. فهو يأتي بعد سلسلة من التّصريحات الاستفزازية و المتطاولة على إطار التّدريس؛ ولكن غابة التّصريحات الرّعناء لا يمكن أن تخفي حجم التّخبّط في إدارة مرفق عمومي و ضبابية الإصلاح التربوي.

ويبدو أنّ الاعتذار قد لامس الشّكل العرضي من المشكل وهو التّعدّي على كرامة المدرّسين؛ ولكنه لم يذهب إلى أصل الدّاء وتغافل على اعتبار أنّ المدرّسين يرفضون مشروعا مسقطا لا علاقة للبنك الدولي و صندوق النقد الدولي به -حسب ما يروّج له - بل هو حياكة محليّة قصد إقصاء المدرسة عن لعب دورها الرّيادي في تعميم المعرفة و تقدّم الوطن.

كرامة المربّي هي الرّباط الذّي يحمي حصن المدرسة، و يبدو أنّ التّساؤل المشروع: لماذا وقع توجيه دفّة مسار الإصلاح التربوي في اتّجاهين متناقضين، وهما التّعدّي الصّريح العلني على قيمة المربّي الرّمزية و حشد كمشة ممّن يطلقون عليهم "خبراء" لهم فشل سابق في تصوّر منظومة تربوية؟

ما يجب التّاكيد عليه أنّه لا أحد له مفاتيح إصلاح تربوي قادر على تبديل صورة المدرسة و تركيز نجاعتها. فما وقع من تدمير ممنهج لها طيلة أربعة عقود كاملة لا يمكن إصلاحه بخزعبلات إدارية غايتها التعتيم على الأمراض الحقيقة و تجنيب المساءلة لمن صاغ مناهج وبرامج عن قصد و تدبير ممنهج، فتلك المناهج تفتقد إلى الأجرأة التعليمية التعلمية ولذلك لم تقطع مع التدهور في مكتسبات المتعلّمين الأساسية.

المدارس ليست بناءات و أقسام و مدرّسين يظهرون أمام الأولياء و نتائج تشهد للمتعلّمين بالجواز أو التعثّر. المدارس هي خلايا الفعل للمجتمع. وكلما فشلت المدرسة في أداء مهمّتها كلّما كان المجتمع قاب قوسين من الجريمة و البطالة و التّسيب و التلاشي.

الاعتذار يجب أن تتلوه عملية تشخيص يقوم بها مختصّون تعليميون للبحث في مجالات أساسية وهي الإدارة و مجاّنية التعليم و الإصلاح التربوي :

:1-الإدارة


*- االفصل الضّروي بين الإداري وعملية الإصلاح التربوي.

*- النّظر في أهلية المشرفين الإداريين وعلاقتهم بالتسيير في وزارة اختصاص تربوي. وليس تجميع شخوص لا علاقة لهم بالتربية اختصاصا إداريا و تعليميا تعلّميا. مع إعفاء كل من ثبتت عدم أهليته و إرجاعه إلى مثواه الأصلي.

:2- مجّانية التعليم وخوصصة المدرسة العمومية


*-التّنصيص صراحة في القانون الجديد على أنّ المدرسة العمومية ستحافظ على مجاّنيتها و لا يجوز بأي شكل أن يقع التفويت فيها أو خوصصتها أو أن تتدخّل أيّة جمعية تحت أي غطاء للتمعّش من مواردها.

*-التفكير في موارد مالية إضافية دون المساس بمجّانية التعليم.

:3- الإصلاح التربوي


*- نشر قائمة تحمل صفات لجان الإصلاح التربوي . و التنصيص على ضرورة على مصدر خبراتهم من شهائد علمية في الاختصاص و نشريات وغيره حتى يقف المواطن على درايتهم بمجال الاختصاص. و إعفاء كل من ثبتت عدم أهليته و نشرها للعلن.

*- إسناد مسألة الإصلاح التربوي إلى مجلس النّواب، فهو منتخب و له القدرة على تشكيل هيأة إصلاح تكون لها التمثيلية السياسية و القدرة التشريعية. فإصلاح التربية لكامل الشّعب و لا يمكن أن يقف عند حدود زمرة أيديولوجية أثبتت فشلها في الإصلاحين السابقين.

الاعتذار وحده لا يكفي، و الواجب يحتّم أن تقع مساءلة كلّ من ساهم في سوء تنظيم عملية التقييم في أوّل السّنة، و الّتي يبدو أنّ أوجاعها ستزيد استفحالا بعد قادم الأيّام في ظلّ الضّبابية في جدولة امتحانات التّاليفي.

الاعتذار لا يعني عدم تحمّل المسؤولية في تدحرج منزلة المدرسة في عقول المواطنين و التشكيك في جدواها. وليس السّير في الإصلاح دون ضوابط قانونية، و يبدو أنّ مسألة السّداسي و الارتقاء الآلي هما سببان كفيلان في دول تحترم شعوبها بتقديم الاستقالة.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات