دولة الأوباش…

Photo

المدينة العتيقة، حي تربة الباي، حيث توجد التّربة التّي تأوي ملوك تونس، وهو معلم مصنّف تراث عالمي من قبل اليونسكو (والمدينة العتيقة كلّها تراث عالمي) وفيه ما لا يقلّ عن ثلاث ديار ضيافة يقطن فيها سيّاح من بلدان أجنبيّة مختلفة. في أيّ بلد يحترم نفسه، سيكون هذا المكان نظيفا وآمنا وجذّابا. أمّا في تونس، فهو لليلة كاملة مرتع للأوباش يعاقرون فيه الخمر في الشّارع ويعربدون بأصوات عالية في غياب كلّيّ للأمن. ثمّ يقال لك إنّ تونس "دولة سياحيّة"!

تونس تنكص شيئا فشيئا إلى حالة الطّبيعة، حيث الصّراع والبقاء للأقوى هو المبدأ الوحيد للوجود الاجتماعي. هذا نراه جليّا في الشّوارع وفي السّياسة وفي كلّ مجالات الحياة. بن علي (لمن بقي يحنّ إلى ذلك الكلب) هو من أرسى ثقافة "التخوليق" عندما أطلق العنان لعصابات الأوباش من أصهاره وأهله وذيولهم يعيثون في البلاد طولا وعرضا، يدوسون القانون بحوافر المال والسّلطة والاغتصاب.

اليوم، البلاد يحكمها أوباش لا يعرفون قانونا غير سلطة المال والقوّة العمياء، ومن ذلك ما أصبحنا نسمع به عن الجرّاية واللّطيف وغيرهما من سفلة القوم ممّن لا سلطة لهم غير "التّخوليق" الذّي ينتجه المال.

تسلّط الأوباش على مستوى السّياسة والإعلام يعكسه تسلّط الأوباش على المستوى الاجتماعي، حيث منطق البقاء للأقوى يفرض طغيان مفهوم "الخليقة" على السلوكيات الاجتماعية في غياب تامّ للرّدع والزّجر من قبل القانون، حتّى أصبح منطق "ومن لا يظلم النّاس يُظلمِ" على حدّ قول زهير هو القانون الوحيد في البلاد. العنف بكلّ أنواعه يعمّ الحياة الاجتماعية شيئا فشيئا والشّارع، الذّي هو فضاء الاجتماع، عمّا قريب يصبح فضاء حرب الكل ضدّ الكل ومن لا يأخذ حقّه بيده على طريقة الشّعوب الهمجيّة وقانون الغاب يداس بالأقدام.

أمامنا خياران لا ثالث لهما: إمّا فرض سلطة القانون وتحوير مجلّة العقوبات الجنائيّة حتى لا يبقى السّجن نزلا بثلاث نجوم، أو تسليح المواطنين حتّى يصبح السّلاح هو الفيصل في النزاعات (وهو في الواقع كذلك عند الأوباش) ويأخذ كلّ ذي حقّ حقّه بحدّ سيفه.

الكثير من المواطنين إذا أتيحت لهم إمكانيّة التّسلّح فلن يتردّدوا لحظة واحدة في اختيارها. هذا هو عصر حكم الأوباش وإذا واصلت الدّولة تجاهل مطلب الأمن والزّجر فأنا أطالب بالسّماح للمواطنين بالتّسلّح ليحمي كلّ منّا نفسه بنفسه.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات