أعلن أستاذ التاريخ عبد الجليل بوقرّة قائلا إنه "ضدّ اعادة كتابة تاريخ تونس وأن ما تقوم به هيئة الحقيقة والكرامة مجرد تخميرةً سياسية ذلك أن تاريخ تونس قد كُتب في رسائل دكتوراه وحلقة ثالثة في كلية الآداب، ثم أردف مضيفا ان اليوسفيين قاموا بجرائم اغتيال ضد اتباع بورقيبة..."
طيب.
اتوجه مباشرة الى أستاذ التاريخ بالقول:
أولا: اذا كانت لك مآخذ على هيئة الحقيقة والكرامة فلك ذلك وهذا الامر لا يحتاج الى أستاذ في التاريخ. وإذا كانت لك مآخذ على اليوسفيين وجرائمهم، كان عليك ان تدلي بها كاملة لاسترداد حق تاريخي لمظلومية مسكوت عنها، وهذا لا يحتاج كذلك الى أستاذ تاريخ، فهو سرد يمكن ان يُخزّن بالانترنات…أخيرا، المؤرخ هو ليس ذلك الذي يحفظ التواريخ عن ظهر قلب لأنه لن يدرك كل تفاصيل الأحداث التاريخية، بل هو ذلك الذي يتأمل في الحدث بمناهجه العلمية بهدف تفسير التاريخ…
ثانيا: ان تكون ضد اعادة كتابة تاريخ تونس بدعوى انه قد كُتب في رسائل الدكتوراه، فهذا بالأخص ليس موقف أستاذ في علم التاريخ لأننا.
(1) ندرك قيمة جل الاعمال العلمية طيلة العشرين عاما الماضية وما قبلها خصوصا تلك التي تتعارض مع القراءة الرسمية للظواهر. ألا تعلم ان جاليلي أعدمته الكنيسة لانه زاغ عن "العلم الرسمي"، الا تعلم ان هتلر فرض على علماء البيولوجيا في الجامعات الألمانية إثبات عُلوية الدماغ الآري على بقية الأعراق، الا تعلم انّ نابوليون عند عودته خائبا من مصر أمر بتغيير التقويم ورُفعت له أقواس النصر عند دخوله باريس، الا تعلم ان أبا حنيفة مات في السجن.
فآعلمْ أن جل العلماء في التاريخ كانوا تحت ظغوط السياسيين، وهذا يحتاج منك قراءة هيجل لفهم الاستلاب وماركس لفهم الاغتراب السياسي و مختلف نظريات الدولة لفهم مواقع قواها وضعفها ومرجعياتها…
(2) حتى ولو كانت هذه الأطروحات متجليةً في اقصى جماليتها العلمية (بمفهوم هيجل للجمالية) ودقتها وعمقها، فهل تعلم ان كل عمل بشري لا يصح إلا في اللحظة التي أُنتج فيها وما عدا ذلك فهي شهادة نسبية على العصر بوسائل العصر. هذا لو كانت للباحث الشجاعة والإقدام لإتمام مساره المعرفي بالإثبات الاجتماعي لعلمه حتى يصبح علما. لأنه لا علم خارج إطار المجتمع،
(3) ألا تعلم ان هذه الاطروحات والرسائل ما هي إلا عنصر من عناصر "كتابة التاريخ"، وهل تعلم ان المشكلة ليست في كتابة التاريخ، وان كتابة التاريخ لا تعني الكتابة بالمعنى السطحي البسيط بالحبر على الورق في رسائل أغبرتها الرفوف، انما هي في قراءته حتى تتنزه، انت وغيرك، عن هذه السطحيات وتضطلع بدورك في استنباط القوانين والنواميس التي تسود التاريخ، وإلا فإنك ستقبع خارج التاريخ.