الفرق بين المواطن الغربي وشبه المواطن العربي؟

Photo

لابد قبل التطرق إلى صلب الموضوع من الإحالة على حقيقة إنسانية لا يمكن لأي غربي أن يتجاوزها، وإلا فإن الموت السياسي هو المصير الوحيد والأوحد لمن يتجاوز هذه الحقيقة التي تجد بعدها في ثقافة الحياة. وثقافة الحياة تأتي من إحترام الإنسان وحقه في إختياراته الوجودية التي لا تنفصل عن إختياراته السياسية والفكرية والعقدية. لايمكن أن نتصور أن يقع نفس عدد القتلى والجرحى والنازحين واللاجئين، ونفس الدمار للعمران والبنيان والأراضي الفلاحية، وللذاكرة التاريخية الإنسانية، من آثار وفنون ومشاريع قديمة في بلد غربي.

إن مجرد وضع سيناريو بهذه الفجائعية والكارثية في ذهنية ومخيلة الغربي، سواء كان مسؤولا سياسيا أو حقوقيا أو حتى فردا عاديا، يعيد إلى أذهانهم فجائع مخلفات الحربين العالميتين. وهما الحربان اللتان كانتا سببا مباشرا في تعديل الدساتير الأوروبية قاطبة وفي اعتماد الهيئات الأممية لأجزاء كبيرة من ميثاق حقوق الانسان الفرنسي الناتج عن الفكر التنويري. لكن في أي منطقة عربية يمكن أن تصل أعداد القتلى إلى الملايين وهي إبادة جماعية صريحة وواضحة، وكذلك أعداد الجرحى واللاجئين والنازحين غالبيتهم من المدنيين وخاصة الأطفال والنساء، وأن يصل مبلغ الدمار إلى منتهاه وتمحى من الوجود مدن كدريا وحما وحلب وقبلهم بغداد، وضواحي ومناطق من على وجه الأرض، دون أن يتحرك أحد لوقف هذه الكوارث وهذا الدمار.

تتبعنا فصول الأحداث الأوكرانية منذ البداية، وعليّ أن أعيد حادثة قتل أوكراني للإشتباه فيه بكونه عربي بسبب سواد شعره، ليتضح جليا معنى أن تكون عربيا، وقيمة العربي. لكن ما إن وصل عدد قتلى أوكرانيا إلى 24 أو 26 تقريبا حتى إجتمع العالم بشرقه وغربه ووسطه، ونددت المنظمات والمؤسسات الحقوقية الدولية، بدأت الرحلات المكوكية للسياسيين، وانطلقت الاجتماعات واللقاءات لمجلس الأمن لوضع حد لإراقة الدم الآري، وتوالت الإستقالات من كبار مسؤولي الدولة الأوكرانية، وتلعثمت روسيا في مساندة حليفها الإستراتيجي، لكن ليس دون مقابل، فقد انهار النظام الأوكراني وهرب الرئيس مباشرة بعد لقاء وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة الأمريكية. مما يعني أن إتفاقا سريا قد جرى تحت الطاولة لترتيب الأوضاع المستقبلية لهذا البلد الحساس ذي الحدود المشتركة، بل نسبة كبيرة من الروس تسكن المناطق الشرقية لأوكرانيا، وهذه ورقة جد رابحة لأي ترتيبات مستقبلية لروسيا.

لكن مربط الفرس هو إنهاء مسار الأحداث عند حدود الثلاثين من القتلى. ودون الخوض في الأغلبية البرلمانية التي إنقلبت فجأة على رئيسها بنسبة كبيرة (328 نائبا من 450)، ودون الخوض في الترتيبات المعدة لهروب الرئيس الأوكراني، وإصدار قانون العفو عن الرئيسة السابقة المسجونة يوليا تموتشنكو، وإنتخاب المعارض الشاب رئيسا لأوكرانيا. كل هذه الأحداث مرت في أقل من أربع وعشرين ساعة. وهو ما يطرح على أي محلل أكثر من سؤال. لكن بؤرة الموضوع منصبة على سرعة إطفاء نار الحرب البينية في أوكرانيا، وتمديد أهوال الحرب العالمية في سوريا، رغم العدد اللامعقول من القتلى والجرحى والنازحين واللاجئين ومن مختلف الأعمار، ومن كلا الجنسين.

إن قراءة الحدثين السوري والأوكراني يعطي صورة واضحة عن وضعنا في عالم اليوم، وعن قيمتنا في سلم الإنسانية، وعن نوعية حكامنا، ورهانات ما يسمى بالمجتمع الدولي ممثلا في هيئاته الأمم المتحدة ومجلس الأمن. فنحن لا نساوي إلا قدر ما تحتفظ به بطون الأراضي العربية من الثروات الطبيعية، بل إن هذه الثروات أغلى عندهم من أهلها، وحكامنا ليسوا إلا حراسا أمناء على بضاعة مرهونة لأسيادهم. ومن شاء الدليل فأوكرانيا وسوريا أكبر دليل، أوكرانيا قتل فيها المآت على أقصى تقدير وسوريا بلغ قتلاها مآت الألاف وهجر منها الملايين ودمرت مدنها وتاريخها وحضارتها وكل شيء فيها، وإلى حد كتابة هذه الأسطر لازالت المجازر وعمليات التهجير القصري، ولا يزال النزوح والفجائع والتدمير في سوريا إلى حدود الساعة وما بعدها مستمرا.

ولا يبدو في الأفق القريب بصيص أمل لوقف هذه المأساة الإنسانية التي لم يشهدها التاريخ الإنساني. استطاع الغرب أن يتّعض من حربين ويبني لنفسه سقوفا وموانع تحميه من المضي قدما في القتل والذبح والتدمير بوضح ترسانة من القوانين تحمي حقوق الإنسان وتنتصر للمواطن والكرامة الإنسانية. ولكنه عكس ذلك فعل في البلدان العربية والإسلامية بدعمه لحكام ورؤساء وملوك إنتهكوا كل المواثيق الدولية، لحماية مصالحهم الإقتصادية، فالثقافة الغربية ترسخت على إحترام الذات الغربية فقط، وإذلال الذات العربية.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات