عطاء وثراء وزخم فكري ومقارعات علمية لم تشهد تونس لها مثيلا في التاريخ. فهذا يكتب عن توليد النقود من البنك المركزي لتمويل العجز الجاري بكل ما أوتي من جهل بأبجديات علم الاقتصاد وبواقع الاقتصاد التونسي، وهذا يروي الخلاف بين بورقيبة وبن يوسف بكل ما ورثه من سطحية وتطاول على اصحاب الاختصاص، إذْ حديثه لا يتعدّى مقطعا من مسلسل خُطّاب عآلْباب، وذاك ينطق بكل سذاجة عن رفضه لإعادة كتابة التاريخ حيث مرجعه عصور الانحطاط عندما أُغلق باب الاجتهاد بمقولة ليس في الإمكان بأحسن ممّا كان…
أضف الى ذلك التحاليل العميقة حول مدى صحة خبر مجيء وفد صندوق النقد الدولي الى تونس…وأخيرا معضلة الهياكل القضائية التي أدخلنا من خلالها أصدقاؤنا القانونيون في منطقة الضبابية ولم نفهم منها شيئا وكأنّ حلقةً من المسلسل قد فاتتنا وغاب البطل…
كل هذا في ظل مخطط خماسي تأخر عاما كاملا ولم يصادق عليه البرلمان، ووعود مؤتمر تونس للاستثمار الذي لا نعرف أين وصلت الإنجازات، وإصلاح تربوي لا يعلم معالمه الاّ الله وجلّول، واتفاقات تونس مع السودان التي لا ندري فُرصها وكاننا غير معنيين، وإصلاح البنوك العمومية الذي يتطلّب التنفيذ…
أشعر بإحساس غريب. وكأنّ من يتربّص بالبلاد لإدخالها في متاهات لا نفع من ورائها. كنت اعتقد ان النخبة تم تهميشها، لكن جزءًا منها انخرط في استنزاف طاقة واهتمام الشباب بالشأن العام وواقعه. اشعر بان منسوب الاعتزاز بهذا البلد والحفاظ عليه وجعله اولوية امام القضايا الجانبية بدأ يتآكل…
لكنني واثق بان هذا الزبد سيذهب جفاءً وان الركود الاقتصادي هذا سيتعداه التونسيون مهما طال وان تُجار الدكاكين سيفلسون بحساباتهم الآنية فَمَا دامَ سقَمٌ الاّ مات صاحبُه او تعافى ولو لِحين ليحي من جديد…