يصر ،،المتفائلون،، على التنويه بسلامة الانموذج التونسي في الانتقال مقارنة بأشباهه في البلدان العربية التي تغرق الان في دماء الحروب الاهلية الحارقة .
اغلب ،،المتفائلين،، ينتمون الى جهات حزبية او جمعياتية ،،متمكنة،، (من التمكين) و ،،محققة،، و تتمثل اغلبها في قيادات و رموز الاحزاب الحاكمة من نهضة و نداء او من اعلاميين و ،،مثقفين،، يتوسلون بحذلقاتهم المجاملة للنموذج نصيبا في التمكين و التحقق.
في المقابل يتوزع خطاب ،،الكارثة،، و ،،النقد الدائم،، بين المعارضين للفريق الحاكم بمبررات متنوعة تحكمها عوامل الصدق نادرا و دوافع ،،الخديعة،، التي تفضح نفسها غالبا لدى المحرومين من شقوق النداء و ،،الانقاذ،، او لدى ،،الرافضين،، لشراكة النهضة في الحكم مطلقا .
بعيدا عن ،،تفاؤل،، المتمكنين و المتحذلقين و ،،تشاؤم،، الغاضبين لأجل نزواتهم لا نجد على ساحة الفاعلين بفريقيهم خطابا سياسيا كبيرا و عميقا يرصد حقيقة وضع البلاد الذي لا يبدو انه في وضع انتقال سالك و آمن و ان كان اقل كارثية من خراب الاوضاع في بلدان ،،الربيع الدموي،، .
العارفون بمطابخ المشهد السياسي التونسي بجميع مستوياته الحزبية و الاعلامية و الثقافية يدركون تماما حجم ،،الرثاثة،، التي تحكمه حيث تسود الدسائس و المؤامرات و يحكم الفساد و تغيب الرؤى و التصورات الاستراتيجية الكبرى القادرة على مجابهة مجمل التحديات الاقتصادية و الاجتماعية التي تواجه البلاد و حيث تغيب الجدية في استشراف مستقبل البلاد في وضع دولي و اقليمي تحكمه صراعات المشاريع الكبرى بين الاقوياء و المقتدرين الذين تبدو امامهم طبقتنا السياسية بأحزابها و زعمائها و مثقفيها و اعلامييها مجرد ،،اطفال صغار،، لا يتجاوز اجتهادهم في تدبير شؤون تونس اكثر من ،،لعب بالتراب و الليل مغسي على حد تعبير ابي القاسم الشابي وهو يصف غيبوبة التونسيين في مفتتح القرن الماضي.
احساس غالبية الشعب التونسي بغموض المرحلة و مخاطرها يبقى دليلا على سلامة ،،الوعي الفطري،، للشعوب و لكنه وعي لا يجد من يكبر به ليصبح وقودا لبناء تونس الكبيرة بعيدا على صغائر الهواة ممن جعلوا اكبر همهم في البقاء و الاذان على كدس غبار.
قواعد الاحزاب و ،،النشطاء،، على هذا الفضاء الازرق مثلا من المعارضات التي تدعي انها خط ثالث بين التفاؤل الغبي للحكام و التشاؤم الهدام للمعارضة الوظيفية ..هؤلاء ،،الصادقون،، لا يقدمون بدورهم ،،افكارا كبيرة،، لمعالجة الوضع و بناء المستقبل اذ لا يتجاوز جهدهم اكثر من ملاحقة المعارك الصغيرة التي يثيرها فريقا المتفائلين و المتشائمين غير ميالين في الغالب الى نقاش عميق او متابعة تفكير هادئ لا ينساق مع هذين الفريقين في هذه التخميرة و خير دليل على ذلك ان اكثر المشاركات و مظاهر الاعجاب و التداول تتم على هذا الفضاء للصغائر و المماحكات و متابعة كواليس المتنافسين على حكم ،،النموذج التونسي،،الذي يصنع اشكالياته و حروبه كبار ،،الموجهين،، من اصحاب المال و الاعلام و وكلاء قوى دولية تخدرنا باكذوبة سلامة نموذج تونسي ،،صغير،، لاشك ان لا دماء فيه و لكنه مؤذن ببقاء تونس بلدا يعاني من ،،فقر الدم،، يعيش و لا يحيا .