دياس الرّبيع المهدور في هذه الرّبوع ، صارت عرضة لعفص ضباع متنمّرة خلناها في غفلة عن وعينا المكدود قد انقمعت وراء حجب التّواري المثقل برين الخجل و زلفى المناشدات المستدعية لكلّ أشكال القرف و التقزّز.
و هذا السّامر بنا فوق زبد جرأة مزعومة ، يوفي الكيل في دقّ إسفين الألم و مسامير الإحباط الصّدأة على تابوت ثورة مسجّاة كجثّة هامدة فوق قمامة الأخلاط العائدة من رحم القهر و الإستبداد . و تجحظ منّا عيون التطفّل القسريّ الرّاكض وراء سراب ملحمة عودتهم المتغوّلة ، كيلا تفوتنا تفاصيل إعادة تموقعهم الرّهيب خلال مآثر وكالات اتّصالاتهم المتشكّلة خلقا آخر من بعد مناورة المطاولة في التخفّي و مراوغة الإيهام بالبطلان الكلّيّ للمقاومة حين احتدام أتون الهبّة العفويّة لشعب "الجملوكيّة " التّونسيّة !
قطيع الضّباع السّائبة ينسلّ من بين أدغال التخفّي الجزع و كعادته الغريزيّة يوكل مهمّة القيادة إلى أعتى أنثى ترعرعت على حليب حاكمة "قرطاج" الهاربة ، و كم يلذّ للضّبعة الطّلائعيّة و عاشقة جيف التّنازلات المجّانيّة نثر "عبير" حروق المرحلة فوق المسامات المقشعرّة لجلود ثوّار التهبت من سياط الإسترذال و أملاح الأوجاع المسكوبة من دموع الملايين الفاغرة أفواهها دهشة و ذهولا من عودة نبلاء الغطرسة في ظرف قياسيّ يوحي باستكمال إطباقة الآلة على جسد الوطن المسبيّ بين غصّتين ، أولاهما غصّة الفشل الذّريع في إسقاط التّنظيم الدّستوريّ الإرهابيّ ، و ثانيهما الإحباط المروّع في تكبيت رموز نظام لطالما ولغ في دماء الشّعب الّذي تعوّد إذلاله .
السّامر بنا على درب تطويع إدراكنا المسلوب ، يراوح بين "عبير المدية" و " برهان الدّسيسة " ليستكمل صكّ عملة الرّجعة القدريّة لشرذمة الضّباع الّتي عاودت تجمّعها بقصد التهام جيف القامات المبثوثة على قارعة خرائط الطّرق المعبّدة بالإملاءات و الدّيون و العمالة . و ليس من يحرّك ساكنا باعتبار سطوة و صولة سلطة رابعة تتماهى مع طبيعة كونها قلعة أخيرة مشهود لها باقتدارها الكليّ على إعادة توزيع بيادق الهيمنة "النّوفمبريّة" فوق رقعة انعدام الحياء و كخطوط أماميّة حارسة لقطعة الملك المحميّ و لقطعة الملكة المحفوفة بالثّوب الحقوقيّ !
و هذا الثّرثار كما استعار نار تنّور يأتينا في شكل قطعة "الفرس" لذات رقعة الشّطرنج و عن شماله قطعة "المجنون" المتيّمة بسرديّات خلفاء التّكليف بالمهامّ الخاصّة لدى سعادته "باي محلّة قرطاج " العاقد العزم على إحياء صولة الصّنم و روغان صانعه المجسّم لقطعة "المطرقة" الواقعة بعنفوان السّحق على رؤوس كلّ حالم بهامش كرامة منقوعة في بعض حريّة!
صارت مسامرة " لمن يتقزّز فقط" تلفظ قيئها على وعينا الجماعيّ من بعد استحكام حالة نشوتها بنبيذ عـتّـقـتـه فنون الدّراية بتمرير حقنات سمّ عودتهم الزّعاف خلال أوردة دهشتنا العجيبة من تجرّأهم المتطاول على سماحة مرحلة أسعفتهم بحتميّة التّموقع من جديد و كأنّ كلّ العذابات و الشّرور و الأوجاع المنسلّة من فضاعاتهم ، لم تكن !
كنائس بيتيّة ، صارت بيوت التّونسيّين المتابعة على مضض لخطابة رعاة كلّ يوم "أحد" ، و هم يلقون بكرازاتهم المبشّرة بعودة المصلوب " التجمّعيّ " من بين الأموات و يهزجون بترانيم حلوليّة " الربّ النّوفمبريّ " في الجسد "النّدائيّ" ، و يتبادلون تهاني عيد الميلاد بصرخة : " حقّا معبودنا التجمّع قد قام .." فترتفع عجاجة بخور "عبير" قوم "موسى" الّذين سبكوا عجل التّقدمات الدّستوريّة على عتبات هيكل تمثالهم المتأنّس بالقوى المضادّة لروح الثّورة.
و هذا "برهان" المتألّه بالكبر و العجب و الخيلاء يتحذلق بلسان دلق لطالما درّبه على مناشدة كلّ قطعة "ملك" مع كلّ لعبة شطرنج جديدة ، و تفوح منه روائح العبير الغرائزيّة الإفتراس و الآتية من جلود ضباع شرسة خبرت أسلوب الإنقضاض بجماعات متعاونة بقصد الإجهاز على جيفة "الرّبيع" الّذي أزهقت روحه ، من قبل أن تفترسه جبهة الإلتهام الشّعبويّة لأصالتنا و هويّتنا !
بدا المعمدان باني كنيسة الأحد البيتيّة ، متفانيا في مناصرة كرازة "البرهان" و كم أتقن إحكام الطّوق على جوقة المتطفّلين الّذين لا زالوا مبهورين بسحر ثورة الياسمين فأخبتهم مثلما شاء و أطنب في تكبيتهم و تهكّم على أحلامهم البريئة و اتّخذهم هزؤا ، و بطبيعة الحال كلّ ذلك قد كان من بعد استعماله لهم و لأمثالهم من ضيوف سبقوهم في قداسات ماضية كرسومات جداريّة تجسّد كروبيم الإدّعاء الباطل بتنوّع مشارب ضيوفه !
المتحذلق الثّرثار لم يصمت و لم يهن و قد استسقى لسانه اللّغوب أكثر من شربة ماء ليحشو أدمغة أتباع يسوعه "زين بن علي" بمعجزات "آب" نعمه و "ابن" منظومته و "روح قدس" عبير روائح حاكمة قرطاجنّته الرّاجعة من كهف القيامة ! " حقّا ..الزّين قام من بين الأموات " و آن لكلّ متبتّل في أديرة "التجمّع" أن يكرز لنداء الدّستور الحرّ المتجدّد و أن يهتف : __ " هــلّــلــويـا " : تغيير السّابع من "نوفمبر " صــــــالـــح !
أبعد كلّ تلك الأرواح البريئة الّتي أزهقت ! أبعد دماغ ذاك الأستاذ الجامعيّ الّذي تشظّى على إسفلت الإرهاب النّوفمبريّ ؟ أبعد احتراق جسد عتّال لقمة عيشه ؟ يا للهول ، كم هو قهّار و موغل في أعمق الأعماق ذاك المشعبذ الّذي يمسك بخيوط عرائس دمى الإعلام فيدفعها للجراءة علينا و فينا سمّاعون لهم !