لم يكف هذا البلد ، الّذي يستدرّ استفاقة و صحوة من أولي العزائم الرّخوة ، أكثر من مائتين فصيل سياسويّ و حزبيّ ! حتّي يقدم علينا في نهاية هذه الأجواء الشّتويّة الموصومة بالإستبداد "الفلفليّ" ، صاحب الإستهزاء الحماريّ من سيّد سادة "البقدونس" النّضاليّ ، ليزيد طين تعويمنا الكونيّ بتلكم البلّة المضمّخة تبعيّة ، فيرمي على وجوهـنا السّاقطة عنها أقنعة الكرامة المسلوبة ، حزمة التألّب المعهود ضـدّ مشروع النّخوة و مخطّط السّيادة المحكومة بالمقصلة.
و كما عوّدنا هذا القيدوم الإستئصاليّ ، ذا النّزعة الحواريّة المفضية إلى مناقصات حتميّة في بورصة مبيعات الأصالة و الهويّة ، فــإنّه بصدد تأسيس خليّة دبابير جديدة من أجل الإيهام بإمكانيّة إدرارها للعسل المأمول من عامّة الّذين إيمانهم بالوطن على حرف أو جرف هــيــر!
ذاك السّاخر العتيد من بائع "البقدونس" العزيز ، هو في مخيال شعب تونس موزّع بين ترغيب ثـلّـة التّوافق المكدود و ترهيب جماعات نداء الأخدود ، و هو نفسه فارس لحظات العسرة الّتي تنتاب وطننا مع كلّ مخاض بحث عن سيادة معدّة للقبر و للدّفن و الوأد و ليس لنماء مرجوّ . هو فارس التخفّي بامتياز داخل حصان "طروادة" الدّالف على الدّوام في بلدنا ، حين رقدة السّاهرين على حرمة هويّته و صفاء معدن ملّته .
و هو الظّاهر خلال هجمة الفلول العائدة لانتصابها الجديد من بعد طول أفول ، لكنّ نقطة "الظّاء" سقطت عنه بمجرّد أن دلف إلى متاهة مربكتنا السّياسويّة ذات عداد المئات من قطع الأحزاب المجّانيّة و المتناثرة كمثل دمّلات الطّاعون على جسد هذا الوطن المقهور .. فتحوّل بقدرة قادر و منذ مكتوب الأزل الجازم بحيلته المقدّرة ، إلى "الطّاهر" و تنائت عنه صفة "الظّاهر" من أجل إبعاد الشّبهة في ظلوع سادة الكون في تحفيزها له على إذكاء جذوة الحسينيّات "المازوخيّة" خلال تقاسيم تونسننا المرزيّة بهذه الأوبئة الرّجعيّة .
طاهر هو في نزعته "البراغماتيّة" أو ذات الواقعيّة الإنقلابيّة على كلّ انعتاقة ربيعيّة مأمولة ، و هذا الطّهر يقابله تصوّر من قبله ، على أنّ كلّ حالم بحقّ السّيادة على أرضه ، إنّما هو عفن مقيت و مدنّس مطلوب للتّحنيط داخل تابوت أصحاب الهيمنة الكونيّة ، و بالتّالي فإنّ مستقبل تونس ذات الحضارات الألفيّة لا يسمح بــسـوى ركن تابوت الهويّة في عمارة المقبرة العالميّة المختصّة في تذويب النّزعات السّياديّة عبر إحراقها داخل أفران المخطّطات الدّوليّة لتحويلها إلى رماد تاريخيّ سحيق يقنع القاصي و الدّاني بأنّ خيار المقاومة هو محض انتحار جماعيّ و بأنّ مصيره كمثل هذا الرّماد الموبوء بالنّسيان و المحروم من نعمة و كرامة الدّفن كما نصّت عليه شرعة الأديان!
و بالتّالي فإنّ مقدم فارس حصان طروادة ، ذاك الظّاهر في مراميه و السّاقطة عنه لدى أولي الألباب منّا نقطة "ظاء" المحاكاة ، و تحديدا في هذه الظّروف القياسيّة في نزعتها الإنهياريّة ، إنّما هو قدوم مرتّب شبيه بتلكم "الحسينيّات" الّتي كانت متربّصة بسقطة "شاه إيران الأسبق" ..و لعلّ القاسم المشترك بين "الظّاهر" بنقطة الإسناد الكونيّ و صاحب العمامة "الحسينيّة" هو ذاك التلبّث الرّمزيّ داخل إمبراطوريّة "فرنسا" الإعماريّة !
من قبل التجهّز لاقتحام الوطن المستهدف في روحه السّياديّة . و كم يبدو الشّبه صارخا في دلالاته عندما يعلن لقب الإسم بنوّته المشروعة للبديل عن "الحسين" لدى السّواد الأعظم من أصحاب النّدوب البكائيّة خلال المحافل التّـشـيّـعـيّـة ! إذن قد اكتمل مشهد التّوصيف الوفيّ لجنرال الحصان "الطّرواديّ" و ازداد يـقـيـنـنـا من عظم مهامّه المنوطة بعهدته من قبل ساداته الّذين سبق و أن حموه و آزروه و آووه ..و إلى أيّامنا هذه و هم يأخذون بيديه لإيصاله إلى مرفأ البغية الكونيّة و الّذي سيكون موطأ قدم من أجل الولوج بأقـنـعة أخرى داخل حرم هذا الوطن المرابط باقتدار داخل البقيّة الباقية من قلاع قد بدأت أبوابها تهتزّ من فرط توافق كلّ طلاّب الكراسي على تهشيم مزاليجها !
كلّ الأجواء كانت مناسبة للظّـاهر بن حسينيّات الفوضى الخلاّقة من أجل تكوين حركة حزبويّة و شعبويّة تحت مسمّى المستقـبل الموعود لمن تبيّت لهم الطّاقات العالميّة الكونيّة مـصـيـر أصحاب الأخدود ! فكان لزاما أن يتماهى هذا الظّهور "الحسينيّ" ، المتشيّع لأصحاب السّعادات القدامى ، مع حملة المفتاح السّحريّ من أجل إتمام المشروع الكونيّ المخطّط بعناية من قبل أراكنة الأمم لكي يتنفّذ في آجاله داخل ربوع تونسنا المرهقة من توافقات مذمومة والمتعبة من كرّ و فرّ حروب الطّوائف المتنازعة على أمارات تضخيم العجز الإقتصادي و توقير الرّجعة لهيمنة فراعنة الأمس!
كم يبدو المشهد عاريا من كلّ دهشة ، من بعد التفطّن لهذه المرامي المعلّبة في أوعية نعمة التعدّديّة الحزبويّة ، فهذه القلعة الأخيرة من ربيع لا يفتأ معاودة بروزه على رأس كلّ سنة من بقايا سيادة و كلّ دورة عام من أحلام كرامة مستهدفة ، هي نفسها تلك البلاد القيدومة و المتشبّثة بإنجاح ربيع الهويّة و جنّات عدن القضيّة .. و لأنّ " مـفـتاح " جبابرة العالم الّذي أرادوا من خلال غرسه في جنان تونس الثّوريّة على الدّوام أن يـفـتـح لهم أبواب قلعتها الصّامدة ، لم يمكّنهم من استيفاء بغيتهم ، فـإنّ هؤلاء العمالقة الجبابرة قرّروا إسناد سدنة المفتاح بخزنة مشروع " المستقبل " الوحيد لهذا الوطن و الّذي يخطّطون و يـبـيّـتـون له منذ اتّفاقيّة باردو اللّعينة.
لكنّ السّادة في هذا المشروع المستقبليّ قد استووا مع تبّعهم من حيث ضعف الحيلة في بلوغ أرب الرزيّة لهذا الوطن المخدوع بكذبة التعدّديّة الحزبويّة ..فــكان هؤلاء السّادة كمثل "طالب" سمكة في عرض الصّحراء ، أمّا الــتــبّــع فكانوا كمثل "مطلوب" من رطب واحة غنّاء في عباب بحر لــجّــيّ و قد استوى هؤلاء مع أولئك في الجواب عليهم من لدن مقدّسنا الرّائع ، بالقول لهم : __ ضــعــف الــطّــالــب و الــمــطــلــوب !!!